الأعمال في الشرق الأوسط

إعادة البناء لا تحتاج إلى تكاليف كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

إعادة البناء لا تحتاج إلى تكاليف كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

أحدثت جائحة كورونا اضطرابات غير مسبوقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يُظهر تقريرُنا الجديد المعنون “آثار جائحة فيروس كورونا على توزيع الدخل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” كيف أدت الجائحة إلى انخفاض مستويات الدخل، وزيادة رقعة الفقر وعدم المساواة، وتفاقم أوجه الهشاشة القائمة بالفعل من قبل. ويستكشف التقرير كيف تُؤثِّر جائحة كورونا على رفاه الأفراد والأسر في المنطقة، والقضايا الرئيسية التي ينبغي لواضعي السياسات التركيز عليها لتهيئة الظروف اللازمة لتحقيق تعافٍ اقتصاديٍ سريعٍ ومستدام.

وبالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي، وعدم المساواة، يشير التقرير إلى ظهور مجموعة من “الفقراء الجدد”، ويسلط الضوء على التغيرات الحادثة في سوق العمل، واضطرار الناس للكدّ والكدح في العمل، وعدد الحاصلين على وظائف في سوق العمل. ووفقاً لهذا التقرير، من المحتمل أن يؤدي التعافي إلى خطر زيادة التفاوتات وأوجه انعدام المساواة، نظراً لأن الاقتصاد غير الرسمي- حيث يعمل كثير من الأشخاص الأقل دخلاً – عادة ما يتعافى ببطء أكبر. 

واستشرافاً للمستقبل، يؤكد التقرير على أن حملات التطعيم لا تزال تمثل الأولوية الأولى لتحقيق التعافي؛ فإتاحة اللقاحات عامل ضروري لحماية الناس من السقوط فريسة للمرض ولتفادي الاضطرار إلى إغلاقات جديدة. لكن مع الأسف، لا تزال مستويات التطعيم منخفضة بدرجة مثيرة للقلق في العديد من بلدان المنطقة.

وبالإضافة إلى تعزيز حملات التطعيم، يجب اعتماد إستراتيجيات اقتصادية معينة لضمان تحقيق تعافٍ قادرٍ على الصمود . لكن السؤال المطروح الآن هو كيف يمكن للبلدان إعادة البناء على نحو أفضل في بيئة قلصّت فيها الجائحة من الحيز الضئيل بالفعل المتاح في المالية العامة، وأسهمت في ارتفاع مستويات الدين العام؟

في فترة ما قبل تفشي جائحة كورونا، كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي المنطقة الوحيدة على مستوى العالم التي ترتفع فيها مستويات الفقر . وقد انتهى أي نموذج اقتصاد يسفر عن مثل هذه النواتج إلى النتيجة نفسها. ولذلك، فإن إعادة البناء على نحو أفضل يجب ألا تعني محاولة العودة إلى الأوضاع التي كانت سائدة قبل جائحة كورونا؛ بل ينبغي أن تسعى إلى إعادة ضبط آليات الاقتصاد بدلاً من ذلك.

وقبل هذه الجائحة أيضاً، كان المقربون من النظام الاقتصادي السائد يحظون بالحماية من حدة المنافسة، في حين عانى الآخرون من البطالة أو دفعوا للعمل في الاقتصاد غير الرسمي، مع الاستمرار في مساندتهم من خلال دعم أسعار المواد الغذائية والوقود. لذا، فإن مثل هذا النموذج الاقتصادي الإقصائي هو ما يجب تغييره. ويتعين على المنطقة الاستفادة من إمكانات النمو لدى جميع مواطنيها دون استثناء، كما تحتاج إلى بناء مؤسسات اقتصادية شاملة للجميع يمكن أن ينخرط فيها عدد أكبر من الناس.ولا يشترط تحقيق ذلك تحمل تكاليف باهظة؛ إذ إن التغييرات المطلوبة لا تعتمد على زيادة الاستثمارات، بل بالأحرى على إحداث تغييرات بأقل التكاليف في السياسات والمؤسسات. وينبغي للبلدان القيام بما يلي:

  1. تحسين بيئة الأعمال وتخفيف القيود التنظيمية الحكومية المفروضة على الاقتصاد: مازالت اللوائح التنظيمية المرهقة والمفرطة وبيئة الأعمال غير المواتية لأنشطة القطاع الخاص ومبادراته تشكل عائقاً أمام منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.  ويتجلى ذلك في العديد من عمليات المقارنة المرجعية الدولية التي تقيِّم القدرة التنافسية، واللوائح التنظيمية، ومناخ الأعمال/الاستثمار. وبينما يحقق العديد من بلدان المنطقة ذات الكثافة السكانية المنخفضة للغاية أداءً طيباً نسبياً، لا يزال هناك مجال وفرصة لبلدان المنطقة ذات الكثافة السكانية الأكبر لكي تبدأ سلسلة جديدة من التحسينات على مناخها التجاري والاستثماري.
  2. تعزيز القدرة على المنافسة: يتعين على بلدان المنطقة إنهاء الممارسات الاحتكارية في أسواقها؛ فالشركات القائمة، سواء أكانت من القطاع الخاص أو المملوكة للدولة، لا تزال تتمتع بالمحاباة. ويؤدي انعدام التنافسية المرتبط بذلك إلى تفشي المحسوبية وأعمال التحايل من أجل التربح – ناهيك عن تثبيط الاستثمارات المحلية والأجنبية.
  3. الانفتاح على التجارة: على الرغم من تباطؤ النمو في التجارة العالمية منذ الأزمة المالية عام 2008، يمكن للتجارة وسلاسل القيمة العالمية أن تواصل تعزيز النمو، وخلق فرص عمل أفضل، والحد من الفقر. وتُعد المنطقة في وضع يؤهلها، في مرحلة ما بعد جائحة كورونا، للاستفادة من القوة الشرائية في أوروبا، واهتمامها بالتعهيد الداخلي، وطلبها على الواردات الصديقة للبيئة. والانفتاح على التجارة هو وسيلة أخرى لتعزيز المنافسة، والاستفادة من نقل التكنولوجيا، واجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر.
  4. زيادة إنتاجية العاملين في الاقتصاد غير الرسمي: يقبع العمال والشركات في الاقتصاد غير الرسمي في أسفل الهرم الاقتصادي حيث يمتهنون وظائف صعبة ذات قدر محدود من الأمان الوظيفي أو ذات تأمين صحي محدود.  وكما يرى فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن إعادة ضبط آليات الاقتصاد تشمل تحسين بيئة الأعمال للعاملين في الاقتصاد غير الرسمي، بالتركيز على السياسات التي من شأنها زيادة إنتاجيتهم، من خلال تهيئة بيئة أعمال يمكن التنبؤ بمجرياتها وإمكانية الحصول على التمويل اللازم فيها، مع زيادة المنافع (الصافية) الناجمة عن التحول إلى الاقتصاد الرسمي.
  5. إعادة توجيه الدعم، لاسيما في قطاع الطاقة: دعم الطاقة باهظ التكلفة ويؤدي إلى الإفراط في استخدامها وغير ذلك من أوجه عدم الكفاءة. ويجب إعادة توزيع الدخل من خلال النظام الضريبي ومن خلال آليات الحماية الاجتماعية المصممة له، وليس من خلال تسعير الطاقة.
  6. إلغاء الحواجز التي تحول دون مشاركة المرأة في الاقتصاد: تشكل النساء نصف القوة العاملة في أي مجتمع، لكن نادراً ما يجدن وظائف في المنطقة.  ويقدم تقرير المساواة بين الجنسين في المشرق لعام 2020 اقتراحات بشأن السياسات التي تحد من الحواجز أمام مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي، مثل تحديث قوانين المواريث، ومرونة ساعات العمل، ورعاية الأطفال بتكلفة ميسورة، وتشجيع فرص العمل عن بعد (الرقمية). ومن المهم أيضاً توفير وسائل نقل عام آمنة، واتخاذ ما يلزم من تدابير لمكافحة العنف ضد المرأة في أماكن العمل وفي المنزل أيضاً.

ولإعادة البناء على نحو أفضل، يجب على متخذي القرارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن يعتمدوا سياسات تشجع على زيادة معدلات النمو . أما تنفيذ هذه السياسات فيجب أن يشمل الجميع، لأنه يسهم في زيادة المشاركة الاقتصادية، وهو أمر ميسور قطعاً، فتصميم السياسات وتنفيذها لا يُكلف الكثير.

Click to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

To Top