أخبار

الاستثمار في السندات وتقييم مخاطر الإنترنت

الاستثمار في السندات وتقييم مخاطر الإنترنت

خلفت جائحة كوفيد -19 أثرا عميقا على أداء الشركات وعلى سبل قياما بأعمالها عالميا، فالتغيرات الكبيرة التي شهدتها طرق التشغيل والعمل المختلفة عرضت الشركات لمخاطر كبيرة لم تزل كافة أبعادها العديدة لم تعرف بعد.

وكان استبدال التفاعلات الطبيعية بين الأفراد – وجهاً لوجه- بالتواصل الرقمي وتقنيات العمل عن بعد، أحد أشهر وأبرز التوجهات في فترة الجائحة، ورغم أن هذه التفاعلات الجديدة قد وفرت فرصا أمام البعض، فقد أدت لمخاطر إضافية عانت منها العديد من الشركات، ذلك أن نقص الخبرة في المجال الرقمي لدى البعض، كان يعني صعوبة معالجة هذه المخاطر بشكل مناسب أحيانا كثيرة.

وكان من بين المخاطر التي تمخضت عنها الجائحة كذلك عدم إدراك كثير من المستثمرين لهذه المخاطر بأبعادها ومستوياتها المختلفة. والواقع اننا كمستثمرين في السندات، ورغم إدراكنا لهذه المخاطر لازال لدينا بعض المخاوف بشأن أمن البيانات وخصوصية العملاء، مع الاعتماد الكثيف على التداول الرقمي للمعلومات في الأشهر المنصرمة.

إلا أنه وعلى الرغم من مخاوف الاعتماد الكثيف على الانترنت، ثمة حل موجود ومتوفر، أمام العديد من المستثمرين المحترفين هو “خريطة النسبية” الصادرة عن مجلس معايير محاسبة المستدامة (SASB)، التي تعد بمثابة الأداة التي يمكن استخدامها لتسليط الضوء على القضايا المهمة التي تهم كل قطاع وتمس صيرورة العمل به.

وفي السياق نفسه لوحظ في الوقت الحالي أنه يتم تسليط الضوء على مخاوف “خصوصية العميل” و “أمان البيانات” في صناعات مثل الاتصالات ووسائط الإنترنت، وعلى الجانب الآخر، لم يظهر الاهتمام بهذه القضايا في قطاعات أخرى، فلا يتم تناول مثل هذه المخاطر الآن في قطاعات مهمة ومؤثرة في حياة الأفراد كقطاع خدمات الإعلام والترفيه، والأغذية والمشروبات أو في الواقع معظم السلع الاستهلاكية.

وتحليلنا لهذا المشهد يفرز مشكلتين محتملتين؛ أولاً، حدوث خلط متزايد بين التصنيفات التقليدية للقطاعات – على سبيل المثال، هل متجر “أوكادو- Ocado ” عبارة عن سوبر ماركت أم شركة تكنولوجيا؟، فتصنيف المتجر الشهير سيؤثر على تقييم أداءه سيما خلال الجائحة.

 ثانيًا، ما نشهده من زيادة الرقمنة والتحول نحو فضاء الإنترنت لتسيير الأعمال، والذي تحول لاتجاه مشترك بين القطاعات، تتبارى كل صناعة تقريبًا في التحول الرقمي وإثبات وجودها في هذا المضمار، وقد سرعت جائحة كوفيد -19 هذا الاتجاه، وفي بعض الحالات، احتاجت عدد من الشركات إلى زيادة أنشطتها عبر الإنترنت لضمان استدامة أعمالها. والنتيجة هي أنه يتم الآن الاحتفاظ بالمزيد من معلومات العملاء عبر الإنترنت، لتزيد بذلك المخاوف بصفة عامة من المخاطر الإلكترونية التي قد تنتج عن التحول الرقمي، ومن جهتنا نرى أن المشكلة الأكبر هي كيفية إدارة الشركات لهذه المخاطر، ربما أكثر من المخاطر نفسها.

وبطبيعة الحال يمكن أن يستهدف مجرمو الإنترنت أي عمل تجاري، أو تصبح البيانات الخاصة عرضة للتسرب غير المقصود. ولهذا عادة تقوم الشركات ذات الثقل، والتي تتمتع بمستويات ثقة عالية من المستهلكين، بعمل ضوابط جيدة فيما يتعلق ببيانات العملاء وأمنهم وما إلى ذلك، وهذا ينطبق بشكل خاص على شركات التمويل والرعاية الصحية، وخاصة الشركات الكبيرى. لكن في السنوات الأخيرة، لوحظ أن بعض الشركات الكبرى التي كان يُتوقع أن يكون لديها ضوابط صارمة أخلت بذلك وتم اختراق نظامها، على سبيل المثال، في أواخر عام 2015، كشفت وكالة التصنيف الائتماني للمستهلك Experian أن البيانات الشخصية لـ 15 مليونًا من عملائها قد تم اختراقها، لتتجدد المخاوف ثانية من أنه إن حدث تسرب لبيانات الشركات الكبرى فالشركات الأقل في المرتبة قد تكون عرضه لمخاطر أكبر، خاصة مع تغييرها لمعايير عملها بسرعة لتوائم ظروف الجائحة واضطراها للتحول السريع للرقمنة، دون اتخاذ إجراءات أمان كافية.

لذا؛ يفرض الوضع القائم عددا من الأسئلة التي ينبغي لمتخصصي إدارة رؤوس الأموال، بما في ذلك مستثمرو السندات، النظر فيها بعناية وطرحها على سبيل المثال: هل هناك أي دليل على أن زيادة الإنفاق من رأس المال يوجه لتعزيز الأمن السيبراني؟، وهل تتكيف هياكل حوكمة الشركات لتستوعب ضمن معاييرها التعرف على هذه المخاطر السيبرانية الجديدة في وقت مبكر وإدارتها بفعالية؟، ويجب أن تؤدي أي ردود غير مقنعة عن هذه الأسئلة إلى الإنذار بوجود مخاطر وتهديدات.

ربما تكون أكبر مشكلة للشركات التي تتعرض لحوادث إلكترونية هي الإضرار بسمعتها، التي تتزايد مخاطرها بسبب الدعاية السلبية المضادة من المنافسين حول هذه الحوادث بين الشركات العاملة في نفس المجال، ويؤدي الإضرار بالسمعة ليس فقط إلى ارتفاع التكاليف ولكن أيضًا إلى انخفاض الإيرادات، حيث يتحول المستهلكون إلى موردين بديلين ويُنظر إليهم على أنهم “أكثر أمانًا” (انظر الرسم البياني أدناه).

 

وبالنسبة للاستثمار في السندات، يجب التأكيد في هذا المقام على أهمية العناية بالمخاطر الإلكترونية عبر الطرق العديدة التي تقاس بها الجدارة الائتمانية للشركات.

 ونظرًا للتغير السريع في طرق وأساليب ممارسات الأعمال التجارية بسبب فيروس كوفيد -19، تزايدت “الأهمية النسبية” لمثل هذه المخاطر في جميع القطاعات، من حيث نقاط الضعف المحتملة والتأثيرات التجارية والمالية المحتملة. ونعتقد أن هذا يستدعي مزيدًا من التركيز على تقييم هياكل حوكمة الشركات وأساليبها لإدارة المخاطر الإلكترونية.

ومن خلال تجربتنا الطويلة في الاستثمارات في السندات، وجدنا أن المشاركة المباشرة مع الشركات في مثل هذه الأمور يمكن أن تكون مدخلاً مؤثرا ومثمرا لتحديد معدلات الخصم المناسبة وتقييم جاذبية السندات.

Click to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

To Top