على مدى السنوات العشر المقبلة، سيصبح 1.2 مليار شاب في بلدان الجنوب في سن العمل، وهذا لم يحدث من قبل. لكن من المتوقع ألا يوفر سوق العمل في هذه البلدان سوى 420 مليون فرصة عمل، ليترك قرابة 800 مليون شخص دون مسار واضح نحو تحقيق الرخاء المنشود.
ولهذا السبب، . وبالتطلع إلى المستقبل، يتضح أن التنمية الحضرية سيكون لها دور محوري في هذه العملية.
المدن هي مفتاح خلق فرص العمل وتحقيق التنمية
لطالما عُرفت المدن بأنها محركات للنمو الاقتصادي والتنمية؛ فهي المراكز التي تنطلق منها غالبية فرص العمل في القطاع الخاص وتشهد توليد الجزء الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي، كما أنها تشكل بيئات حاضنة للصناعة والابتكار والإنتاجية. فالمدن تقدم للشركات ومؤسسات الأعمال مزايا التكتل والتركز في مكان واحد فضلاً عن العوائد المرتفعة على الاستثمار، وهما عاملان بالغا الأهمية لتحقيق التنمية الاقتصادية.
والتوسع الحضري طوق النجاة للإفلات من براثن الفقر؛ فلم يسبق لأي بلد أن وصل إلى مصاف البلدان متوسطة الدخل دون التركيز على التوسع الحضري. و.
وتشمل الآليات الرئيسية التي تسهم في تحقيق هذه المكاسب الإنتاجية ما يلي:
- انتشار المعرفة: تتيح المدن للشركات العاملة في قطاعات مماثلة التمركز في مواقع متقاربة، مما يسمح بانتشار الأفكار والابتكارات بسهولة، الأمر الذي يؤدي إلى تسريع وتيرة التقدم التكنولوجي وتحسين أساليب الإنتاج.
- تجميع العمالة: توفر المدن تجمعات أكبر من أرباب العمل والشركات والعمالة، مما يسمح للعمال بالانتقال بسهولة من الشركات الأقل إنتاجية إلى الشركات الأكثر إنتاجية، إلى جانب تحسين كفاءة القوى العاملة، وزيادة فرص المواءمة الأفضل بين الشركات والعمال، وتشجيع تنمية مهارات أكثر تخصصاً.
- تقديم الخدمات: تسهم كثافة المدن في تسهيل تقديم الخدمات العامة الأساسية وخفض تكلفتها، وهو ما يجذب بدوره الشركات والاستثمارات.
- وفورات الحجم: يتيح التكتل في المناطق الحضرية للشركات الاستفادة من البنية التحتية والخدمات المشتركة، مما يعمل على تقليل التكاليف وزيادة كفاءة الإنتاج.
- انخفاض تكاليف النقل: من مزايا المدن قربها من الموردين والعملاء، مما يقلل من تكلفة نقل السلع والخدمات ويسهم في خفض تكاليف الإنتاج.
- التخصُّص: التكتل يمكن أن يدفع الشركات والعمال نحو التخصص في مهام ومنتجات محددة، مما يعزز الجودة ويرفع الإنتاجية.
التحديات التي تواجه المدن في البلدان النامية
على الرغم من الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها المدن، هناك عدة عوامل تعيق إنتاجيتها وتحد من قدراتها الاقتصادية. فالواقع يشير إلى أن العديد من المدن على مستوى العالم تواجه تحديات جمة، مثل ارتفاع أسعار العقارات السكنية والتجارية، وعدم كفاءة استخدام الأراضي وتخطيطها، وعدم إمكانية الاعتماد على الخدمات الأساسية، وبيئات الأعمال المرهقة، وعدم كفاية شبكات النقل العام، وتدني جودة التعليم، ومحدودية شبكات الابتكار، ناهيك عن الآثار المتزايدة لتغير المناخ والمخاطر الطبيعية.
وجدير بالذكر أن المدن في البلدان النامية تواجه التحديات ذاتها، لكن يُضاف إليها نقص الموارد المالية اللازمة للاستثمار في البنية التحتية للتخفيف من حدتها، مثل شبكات النقل العام، والمياه النظيفة والهواء النقي، وشبكات الصرف الصحي. وغالباً ما تفتقر إلى الظروف المواتية لوضع وتنفيذ السياسات التي تضمن أداءً جيداً لأسواق العمل الحضرية.
ونتيجة لهذه الأوضاع، يواجه سكان المدن في البلدان النامية تحديات تؤثر سلباً على إنتاجيتهم ومستوى معيشتهم وفرص النمو المتاحة لهم، ومن بينها ارتفاع معدلات جرائم القتل بأربعة أضعاف، وقضاء وقت أطول في حركة المرور بنسبة 19-30%، وزيادة مستويات التلوث بنسبة 16-28% مقارنة بالبلدان المتقدمة.