English / العربية / Français / Eλληνικά

English / العربية / Français / Eλληνικά

هل يهمش الذكاء الاصطناعي النساء؟

هل يهمش الذكاء الاصطناعي النساء؟

في عصر تهيمن فيه التكنولوجيا على كافة مناحي الحياة، يبرز الذكاء الاصطناعي (AI) كقوة تحويلية هائلة تعد بإحداث ثورة في الصناعات وتحسين جودة الحياة. من التشخيص الطبي إلى السيارات ذاتية القيادة، ومن المساعدين الافتراضيين إلى أنظمة التوظيف، تتغلغل تطبيقات الذكاء الاصطناعي بسرعة مذهلة. لكن تحت هذا البريق التكنولوجي، يكمن تحدٍ مقلق يتزايد الاهتمام به يومًا بعد يوم: التحيز الخوارزمي. فبدلاً من أن تكون أداة محايدة وموضوعية، تكشف العديد من الدراسات والأمثلة الواقعية أن أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكن أن تعكس، بل وتضخم، التحيزات المجتمعية القائمة، مما يؤدي إلى نتائج غير عادلة وتمييزية، لا سيما ضد النساء والمجموعات الأقلية. والسؤال الملح هنا ليس فقط كيف يحدث هذا التحيز، بل هل هو نتيجة تصميم متعمد لتهميش هذه الفئات، أم أنه عرض جانبي غير مقصود لعملية التطوير نفسها؟ تشير الدلائل المتزايدة إلى أن المشكلة غالبًا ما تكون بنيوية ونظامية، متجذرة في البيانات التي تُغذى بها هذه الأنظمة وفي تصميمها، أكثر من كونها نتاج نية خبيثة.

فهم تحيز الذكاء الاصطناعي: مرآة للمجتمع؟

يشير تحيز الذكاء الاصطناعي، أو تحيز التعلم الآلي، إلى ميل الأنظمة الذكية لإنتاج نتائج متحيزة بشكل منهجي، تعكس التحيزات البشرية الموجودة في المجتمع، سواء كانت تاريخية أو معاصرة. كما توضح شركة IBM، فإن هذا التحيز ليس مجرد خلل تقني بسيط، بل هو انعكاس لأوجه عدم المساواة الاجتماعية الراسخة. عندما تُدرب الخوارزميات على بيانات تعكس تحيزات الماضي أو الحاضر، فإنها تتعلم هذه التحيزات وتطبقها في قراراتها المستقبلية. على سبيل المثال، أظهرت أنظمة التعرف على الوجه دقة أقل بشكل ملحوظ عند التعرف على وجوه النساء ذوات البشرة الداكنة مقارنة بالرجال ذوي البشرة الفاتحة. هذا لا يعني بالضرورة أن المبرمجين أرادوا للبرنامج أن يكون عنصريًا أو متحيزًا جنسيًا، بل يعني أن البيانات التي تم تدريب النظام عليها كانت تفتقر إلى تمثيل كافٍ ومتوازن لهذه الفئات، مما أدى إلى تعلم النظام أنماطًا متحيزة.

جذور المشكلة: البيانات المسمومة والخوارزميات المنحازة

تكمن الأسباب الرئيسية لتحيز الذكاء الاصطناعي في مصدرين أساسيين: بيانات التدريب والخوارزميات نفسها. أولاً، البيانات: تتعلم أنظمة الذكاء الاصطناعي من كميات هائلة من البيانات. إذا كانت هذه البيانات متحيزة، فإن النظام الناتج سيكون متحيزًا حتمًا. يمكن أن يتخذ تحيز البيانات أشكالاً متعددة، منها التمثيل الناقص أو المفرط لمجموعات معينة. فإذا كانت بيانات تدريب نظام توظيف تعكس تاريخيًا تفضيل توظيف الرجال في مناصب معينة، فقد يتعلم النظام استبعاد المرشحات المؤهلات. وبالمثل، إذا كانت بيانات الجريمة المستخدمة لتدريب أنظمة الشرطة التنبؤية مأخوذة بشكل غير متناسب من أحياء تقطنها أقليات، فقد يؤدي ذلك إلى استهداف غير عادل لهذه المجتمعات. كما أن طريقة تصنيف البيانات (Labeling) يمكن أن تكرس التحيزات، كأن تربط الخوارزميات سمات معينة بشكل نمطي بفئات سكانية محددة.

ثانياً، الخوارزميات والمطورون: حتى مع وجود بيانات مثالية (وهو أمر نادر)، يمكن أن ينشأ التحيز من تصميم الخوارزمية نفسها. قد يقوم المطورون، بوعي أو بدون وعي، بتضمين افتراضات أو أوزان تعكس تحيزاتهم الشخصية. على سبيل المثال، قد تعطي خوارزمية تقييم ائتماني وزنًا أكبر لعوامل ترتبط بشكل غير مباشر بالعرق أو الطبقة الاجتماعية، مما يؤدي إلى تمييز غير مقصود. ومما يزيد الأمر تعقيدًا هو نقص التنوع في فرق تطوير الذكاء الاصطناعي نفسها. فكما يشير تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي وبيانات منصة كورسيرا التي أوردتها CNN الاقتصادية، فإن تمثيل النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) وفي وظائف الذكاء الاصطناعي لا يزال منخفضًا بشكل مقلق. هذا النقص في التنوع يعني أن وجهات نظر وخبرات مجموعات كبيرة من السكان قد لا تؤخذ في الاعتبار عند تصميم واختبار هذه التقنيات، مما يزيد من احتمالية ظهور التحيزات.

تأثيرات واسعة النطاق: من التوظيف إلى العدالة

إن عواقب تحيز الذكاء الاصطناعي ليست مجرد مسألة نظرية، بل لها تأثيرات ملموسة وعميقة على حياة الأفراد. في مجال التوظيف، يمكن للخوارزميات المتحيزة أن تحرم مرشحين مؤهلين من فرص العمل لمجرد انتمائهم إلى فئة معينة. وفي قطاع الرعاية الصحية، يمكن للبيانات غير الممثلة للنساء أو الأقليات أن تؤدي إلى تشخيصات خاطئة أو توصيات علاجية غير مناسبة. وفي نظام العدالة الجنائية، كما أشار مقال “أرقام”، تم اكتشاف أنظمة تقييم مخاطر تصنف المتهمين من الأقليات العرقية على أنهم أكثر عرضة للعودة إلى الجريمة مقارنة بنظرائهم البيض ذوي السجلات المماثلة، مما يؤثر على قرارات الكفالة والأحكام. هذه الأمثلة وغيرها تبرز كيف يمكن للتحيز الخوارزمي أن يعزز الحواجز النظامية القائمة ويوسع الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، مقوضًا مبادئ العدالة والمساواة.

نحو ذكاء اصطناعي أكثر عدلاً: خطوات للمعالجة

إن إدراك مشكلة التحيز هو الخطوة الأولى، لكن معالجتها تتطلب جهودًا متضافرة ومتعددة الأوجه. تعمل شركات مثل IBM على تطوير أدوات وتقنيات لاكتشاف التحيز في البيانات والخوارزميات ومحاولة التخفيف منه. كما أن هناك دعوات متزايدة لتحسين ممارسات جمع البيانات لضمان تمثيل أوسع وأكثر إنصافًا لجميع فئات المجتمع. ويشمل ذلك التدقيق في مصادر البيانات، وتحديد وتصحيح التحيزات التاريخية، واستخدام تقنيات لزيادة تمثيل المجموعات المهمشة.

على صعيد الخوارزميات، تبرز أهمية الشفافية وقابلية التفسير (Explainability)، بحيث يمكن فهم كيف تتخذ الأنظمة قراراتها وتحديد مصادر التحيز المحتملة. كما أن إجراء عمليات تدقيق منتظمة للخوارزميات من قبل جهات مستقلة يمكن أن يساعد في الكشف عن التحيزات ومعالجتها. بالإضافة إلى ذلك، يعد تعزيز التنوع في فرق تطوير الذكاء الاصطناعي أمرًا حاسمًا لضمان أخذ وجهات نظر وخبرات متنوعة في الاعتبار. وتشمل الحلول المقترحة أيضًا، كما ذكر مقال “أرقام”، استراتيجيات مثل “التوظيف الأعمى” (Blind Hiring) حيث يتم إخفاء المعلومات الديموغرافية عن الخوارزميات للتركيز فقط على المهارات والمؤهلات.

لا شك أن الذكاء الاصطناعي يحمل إمكانات هائلة لتحسين عالمنا، لكنه ليس محصنًا ضد العيوب والتحيزات التي تعتري مجتمعاتنا. إن تهميش النساء والأقليات من خلال أنظمة الذكاء الاصطناعي هو قضية خطيرة تتطلب اهتمامًا فوريًا وحلولاً جذرية. وكما أوضحت المصادر، فإن هذا التحيز غالبًا ما يكون نتيجة لعوامل بنيوية ونظامية – بيانات غير متوازنة، تصميمات خوارزمية قاصرة، ونقص في التنوع – وليس بالضرورة نتاج تهميش متعمد. إن بناء مستقبل يكون فيه الذكاء الاصطناعي قوة للخير يتطلب التزامًا بالعدالة والإنصاف في كل خطوة من خطوات تطويره ونشره. يجب على المطورين والشركات وصناع السياسات العمل معًا لضمان أن تعكس هذه التكنولوجيا القوية أفضل ما فينا، وليس أسوأ تحيزاتنا، لتكون أداة للتمكين والتقدم للجميع، وليس لترسيخ الانقسامات وعدم المساواة.

المصادر:

IBM
أرقام
CNN الاقتصادية

spot_img
spot_img

Latest articles

Related articles

spot_img
https://middleeast-business.com