English / العربية / Français / Eλληνικά

English / العربية / Français / Eλληνικά

خريطة المال الخفي: أكبر اقتصادات الظل في العالم

خريطة المال الخفي: أكبر اقتصادات الظل في العالم

يمثل “اقتصاد الظل” ظاهرة عالمية معقدة ومتعددة الأوجه، تشمل كافة الأنشطة الاقتصادية التي تتم خارج الأطر التنظيمية والرقابية الرسمية للدول. تتراوح هذه الأنشطة بين الأسواق غير الرسمية والعمالة غير المسجلة وصولاً إلى الأنشطة غير القانونية الصريحة. ورغم صعوبة قياسه بدقة، إلا أن حجم هذا الاقتصاد الضخم وتأثيراته العميقة على الإيرادات الحكومية، والمنافسة العادلة، والسياسات الاجتماعية، والتنمية المستدامة، تجعله محور اهتمام الحكومات والمؤسسات الدولية وصناع السياسات حول العالم. إن فهم ديناميكيات اقتصاد الظل وحجمه ودوافعه يعد خطوة أساسية نحو تصميم استراتيجيات فعالة لدمجه في الاقتصاد الرسمي أو التخفيف من آثاره السلبية.

تعريف اقتصاد الظل

يُعرّف اقتصاد الظل (Shadow Economy)، والذي يُشار إليه أيضاً بالاقتصاد غير المراقب (Non-Observed  Economy)  أو الاقتصاد غير الرسمي (Informal Economy) أو الاقتصاد السري (Underground Economy)، بأنه مجموع الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية التي قد تكون قانونية في طبيعتها ولكنها غير مسجلة أو معلنة للسلطات العامة بهدف التهرب من الضرائب أو الالتزامات التنظيمية الأخرى مثل معايير العمل أو المساهمات الاجتماعية. يشمل هذا التعريف نطاقاً واسعاً من الأنشطة، منها:

  • الأنشطة المخفية أو السرية: وهي معاملات قانونية بحد ذاتها، لكنها غير مبلغ عنها للتهرب الضريبي أو التنظيمي (مثل جزء من إيرادات شركة مسجلة لا يتم الإبلاغ عنه).
  • الأنشطة غير الرسمية: تُنفذ عادةً بواسطة مؤسسات غير مدمجة ضمن القطاع العائلي، وهي غير مسجلة أو صغيرة الحجم، وتنتج سلعاً أو خدمات للسوق (مثل الباعة المتجولين أو الورش الصغيرة غير المرخصة).
  • الإنتاج المنزلي للسلع للاستهلاك الذاتي: مثل الزراعة للاكتفاء الذاتي، والذي يُعتبر أحياناً جزءاً من الاقتصاد غير المراقب ولكنه لا يتضمن معاملات نقدية (يُشار إليه في بعض الدراسات بالاقتصاد الظلي غير النقدي).
  • الأنشطة غير القانونية: حيث تكون المعاملات نفسها محظورة قانوناً ولكنها تتم بالتراضي بين الأطراف (مثل إنتاج وبيع المخدرات).

من المهم التمييز بين اقتصاد الظل والمفاهيم الأخرى مثل التهرب الضريبي (Tax Evasion) والاحتيال الضريبي (Tax Fraud)، حيث يمثل اقتصاد الظل أحد مصادر الفجوة الضريبية (Tax Gap) ولكنه ليس مرادفاً لها بالكامل. كما أنه يختلف عن الأنشطة غير الإنتاجية أو التي يصعب تقييمها نقدياً مثل الأعمال المنزلية الخدمية للاستهلاك الذاتي أو تجارة السلع المستعملة (باستثناء هوامش الربح منها). يستند هذا التحليل بشكل أساسي إلى منهجيات وتقديرات حديثة، أبرزها تقرير “اقتصاد الظل العالمي” الصادر عن شركة EY في مارس 2025، والذي يوفر رؤى قيمة حول حجم هذه الظاهرة ودوافعها وتداعياتها على مستوى العالم.

حجم اقتصاد الظل العالمي: تقديرات ونسب

يكشف تقرير “اقتصاد الظل العالمي” الصادر عن شركة EY في مارس 2025 عن استمرار أهمية الأنشطة الاقتصادية غير المراقبة على الصعيد العالمي، وإن كان بوتيرة متباينة بين الدول والمناطق. تشير تقديرات التقرير لعام 2023 إلى أن حجم اقتصاد الظل العالمي، عند قياسه كمتوسط مرجح بالناتج المحلي الإجمالي الاسمي للدول المشمولة بالتحليل، يبلغ حوالي 11.8% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي .  ورغم أن هذا الرقم يمثل انخفاضاً ملحوظاً مقارنة ببداية الألفية (حيث كان المتوسط أعلى)، إلا أنه لا يزال يمثل كتلة اقتصادية هائلة تعمل خارج الأطر الرسمية.

تتباين نسبة اقتصاد الظل بشكل كبير بين الدول. فبينما تتمتع دول ذات دخل مرتفع مثل الولايات المتحدة (5.0%) وألمانيا (6.6%) واليابان (6.7%) والإمارات العربية المتحدة (2.1%، وهي الأدنى عالمياً) بنسب منخفضة نسبياً، تسجل دول أخرى، خاصة في فئات الدخل المنخفض والمتوسط الأدنى، نسباً مرتفعة جداً. على سبيل المثال، تُقدر نسبة اقتصاد الظل في الهند بـ 26.1%، وفي إندونيسيا بـ 23.8%، وفي نيجيريا بـ 46.8%، وتصل إلى 64.5% في سيراليون، وهي النسبة الأعلى عالمياً وفقاً لتقديرات التقرير .

الترتيب النسبي لأكبر الاقتصادات (كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي):

بناءً على بيانات تقرير EY لعام 2023، يمكن ترتيب الدول المذكورة في الطلب الأصلي حسب نسبة اقتصاد الظل إلى الناتج المحلي الإجمالي كالتالي:

تحليل معمق لأبرز اقتصادات الظل:

لفهم أعمق لديناميكيات اقتصاد الظل، من المفيد تحليل وضع بعض الدول الرئيسية التي تمثل حالات متباينة، سواء كانت دولاً متقدمة أو نامية:

الصين (20.3% من الناتج المحلي الإجمالي): رغم النمو الاقتصادي الهائل والجهود الحكومية لزيادة الرقمنة والسيطرة، لا تزال الصين تتصدر القائمة من حيث الحجم المطلق لاقتصاد الظل، وتحتل مرتبة متقدمة نسبياً (الثالثة بين الدول المذكورة) من حيث النسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. يعكس هذا استمرار وجود قطاع غير رسمي كبير، خاصة في المناطق الريفية والمدن الصغيرة، بالإضافة إلى أنشطة السوق السوداء والتصنيع غير المرخص والتهرب الضريبي في قطاعات مختلفة. يشير تقرير EY إلى أن عوامل مثل فعالية الحكومة ونسبة العمالة الأسرية تلعب دوراً هاماً في تفسير حجم اقتصاد الظل في الدول ذات الدخل المتوسط الأعلى مثل الصين.

الولايات المتحدة (5.0% من الناتج المحلي الإجمالي): تُظهر الولايات المتحدة أقل نسبة لاقتصاد الظل بين الدول المذكورة، وهو ما يتسق مع كونها اقتصاداً متقدماً ذا أنظمة تنظيمية وضريبية صارمة نسبياً. ومع ذلك، فإن النسبة، وإن كانت منخفضة، تشير إلى وجود أنشطة غير مسجلة لا يُستهان بها، مثل العمالة غير الموثقة (خاصة في قطاعات الزراعة والبناء والخدمات)، والأنشطة التجارية الصغيرة غير المبلغ عنها، وبعض أشكال التهرب الضريبي. يؤكد تقرير EY أن معدلات الضرائب ونزاهة النظام القانوني هما المحركان الرئيسيان لاقتصاد الظل في الدول ذات الدخل المرتفع.

الهند (26.1% من الناتج المحلي الإجمالي): تسجل الهند أعلى نسبة لاقتصاد الظل بين الدول المذكورة، مما يعكس الطبيعة المزدوجة لاقتصادها، حيث يتعايش قطاع رسمي حديث مع قطاع غير رسمي ضخم ومتجذر. يعتمد ملايين الهنود على العمل غير الرسمي في الزراعة، والحرف اليدوية، والبناء، والتجارة الصغيرة، والخدمات. تُعزى هذه النسبة المرتفعة إلى عوامل متعددة، منها ارتفاع نسبة العمالة الأسرية، وضعف فعالية بعض المؤسسات الحكومية في الوصول إلى كافة الأنشطة، وتعقيدات التسجيل والضرائب بالنسبة للشركات الصغيرة، بالإضافة إلى دور الاقتصاد غير النقدي في بعض المناطق.

ألمانيا (6.6% من الناتج المحلي الإجمالي): كمثال آخر على اقتصاد متقدم، تُظهر ألمانيا نسبة منخفضة نسبياً لاقتصاد الظل، لكنها أعلى بقليل من الولايات المتحدة. يرجع وجود اقتصاد الظل في ألمانيا بشكل أساسي، كما في معظم الدول المتقدمة، إلى التهرب الضريبي من قبل الأفراد والشركات المسجلة، والعمالة غير المصرح بها (خاصة في قطاعات مثل البناء والضيافة والرعاية المنزلية)، والأنشطة غير المبلغ عنها في بعض المهن الحرة. وكما هو الحال في الولايات المتحدة، تعتبر معدلات الضرائب ونزاهة النظام القانوني من العوامل المؤثرة الرئيسية.

البرازيل (17.0%) والمكسيك (17.9%) وإندونيسيا (23.8%): تقع هذه الدول في منطقة وسطى إلى مرتفعة من حيث نسبة اقتصاد الظل. تشترك هذه الاقتصادات الناشئة الكبيرة في تحديات تتعلق بالقطاع غير الرسمي الواسع، وعدم المساواة الاجتماعية، وضعف البنية التحتية التنظيمية في بعض الأحيان، مما يدفع جزءاً كبيراً من السكان للعمل خارج الأطر الرسمية كوسيلة للبقاء أو لتحقيق دخل إضافي. تلعب عوامل مثل فعالية الحكومة، ونسبة العمالة الأسرية، ومعدلات البطالة دوراً مهماً في هذه الدول.

اليابان (6.7%): تشبه اليابان ألمانيا والولايات المتحدة في تسجيل نسبة منخفضة لاقتصاد الظل، مدفوعة بشكل أساسي بالتهرب الضريبي والعمالة غير النظامية في المشاريع الصغيرة والخدمات، بدلاً من قطاع غير رسمي واسع النطاق كما في الدول النامية

التحديات الرئيسية التي يفرضها اقتصاد الظل:

يمثل استمرار وجود اقتصاد الظل، حتى في أكثر الدول تقدماً، مجموعة من التحديات الجسيمة للحكومات والمجتمعات:

  1. تآكل الإيرادات الحكومية: يعد فقدان الإيرادات الضريبية (مثل ضريبة القيمة المضافة، ضرائب الدخل، مساهمات الضمان الاجتماعي) النتيجة المباشرة والأكثر وضوحاً. هذه الإيرادات المفقودة كان يمكن توجيهها لتمويل الخدمات العامة الأساسية كالصحة والتعليم والبنية التحتية، أو لتقليل عجز الموازنة والدين العام.
  2. تشويه المنافسة: تخلق الشركات العاملة في الظل منافسة غير عادلة للشركات الملتزمة بالقوانين والأنظمة، حيث تستفيد الأولى من تكاليف أقل (ضرائب، رسوم، أجور متدنية، عدم الالتزام بمعايير السلامة). هذا يمكن أن يضر بالشركات الرسمية ويحد من قدرتها على النمو والاستثمار والابتكار.
  3. إعاقة النمو الاقتصادي: على الرغم من أن اقتصاد الظل يوفر دخلاً للبعض، إلا أنه غالباً ما يرتبط بأنشطة ذات إنتاجية منخفضة ويحد من قدرة الشركات على الوصول إلى التمويل الرسمي والتكنولوجيا والأسواق الأكبر، مما يعيق النمو الاقتصادي الكلي على المدى الطويل.
  4. تفاقم عدم المساواة: غالباً ما يعمل العاملون في اقتصاد الظل في ظروف غير مستقرة، بأجور منخفضة، وبدون حماية اجتماعية أو حقوق عمالية أساسية. هذا يزيد من هشاشتهم الاقتصادية ويعمق الفجوات الاجتماعية، خاصة بين الفئات الأكثر ضعفاً كالنساء والمهاجرين.
  5. تدهور المؤسسات والثقة: يمكن أن يؤدي انتشار التهرب الضريبي وعدم الامتثال إلى تآكل الثقة في النظام الضريبي والحكومة بشكل عام، وإضعاف “الروح المعنوية الضريبية” لدى المواطنين والشركات الملتزمة.
  6. صعوبة صنع السياسات: يجعل وجود اقتصاد ظل كبير من الصعب على الحكومات الحصول على بيانات دقيقة حول النشاط الاقتصادي الحقيقي، مما يعقد عملية تصميم وتنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية الفعالة.
الفرص الكامنة في التعامل مع اقتصاد الظل:

في المقابل، يمكن أن يمثل التعامل الاستراتيجي مع اقتصاد الظل فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية:

  • توسيع القاعدة الضريبية: إن دمج جزء من الأنشطة غير الرسمية في الاقتصاد الرسمي يمكن أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في الإيرادات الحكومية دون الحاجة إلى رفع معدلات الضرائب القائمة.
  • تحفيز النمو والإنتاجية: يمكن أن يؤدي توفير بيئة تنظيمية مبسطة ومحفزة للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتسهيل وصولها إلى التمويل والأسواق، إلى زيادة إنتاجيتها ونموها ومساهمتها في الاقتصاد الكلي.
  • تحسين ظروف العمل والحماية الاجتماعية: يتيح إدماج العاملين غير الرسميين في الأطر الرسمية توفير حماية اجتماعية أفضل لهم (تأمين صحي، تقاعد) وتحسين ظروف عملهم وأجورهم.
  • تعزيز الشمول المالي والرقمي: يمكن لسياسات تشجيع الدفع الإلكتروني والشمول المالي أن تساعد في تقليل حجم اقتصاد الظل القائم على النقد وتسهيل تتبع المعاملات
  • تحسين الحوكمة والشفافية: تتطلب معالجة اقتصاد الظل غالباً إصلاحات أوسع نطاقاً لتبسيط الإجراءات، ومكافحة الفساد، وتعزيز الشفافية والمساءلة الحكومية، مما يعود بالنفع على بيئة الأعمال والمجتمع ككل.
  • إن تحويل هذه التحديات إلى فرص يتطلب سياسات متكاملة ومصممة بعناية تأخذ في الاعتبار السياق الخاص بكل بلد، وتوازن بين إجراءات الرقابة والتحفيز، وتهدف إلى بناء الثقة بين المواطنين والحكومة.
نحو فهم أعمق وسياسات أكثر فعالية

يؤكد التحليل المستند إلى بيانات تقرير EY لعام 2025 وغيره من المصادر الموثوقة أن اقتصاد الظل يمثل واقعاً اقتصادياً واجتماعياً راسخاً ومعقداً، لا يقتصر على الدول النامية بل يمتد ليشمل حتى أكثر الاقتصادات تقدماً وتنظيماً في العالم. تختلف دوافع وحجم هذا الاقتصاد بشكل كبير بين الدول، حيث تلعب عوامل مثل فعالية الحكومة، ومعدلات الضرائب، ونزاهة النظام القانوني، وهيكل سوق العمل، ومستوى التطور الاقتصادي أدواراً متباينة.

إن التحديات التي يفرضها اقتصاد الظل، من تآكل الإيرادات العامة وتشويه المنافسة إلى إعاقة النمو وتفاقم عدم المساواة، تتطلب اهتماماً جدياً وحلولاً مبتكرة. وفي المقابل، فإن التعامل الاستراتيجي مع هذه الظاهرة، من خلال سياسات مدروسة تهدف إلى الدمج والتحفيز بدلاً من القمع فقط، يمكن أن يفتح آفاقاً لزيادة الإيرادات، وتحسين الإنتاجية، وتعزيز العدالة الاجتماعية.

لا يوجد حل سحري أو مقاربة واحدة تناسب الجميع لمعالجة اقتصاد الظل. يتطلب النجاح فهماً عميقاً للسياق المحلي، وتحديد الدوافع الرئيسية للأنشطة غير الرسمية في كل بلد، وتصميم حزمة سياسات متكاملة تجمع بين تبسيط الإجراءات، وتعزيز الشفافية والحوكمة، وبناء الثقة، والاستفادة من التكنولوجيا، وتشجيع الشمول المالي، مع مراعاة الآثار المحتملة على الفئات الضعيفة. إن الرحلة نحو تقليص اقتصاد الظل ودمجه في الاقتصاد الرسمي هي عملية طويلة الأمد تتطلب التزاماً سياسياً قوياً وتعاوناً بين مختلف الجهات المعنية، ولكنها خطوة ضرورية نحو تحقيق تنمية اقتصادية أكثر استدامة وعدالة وشمولاً للجميع.

المصادر:

EY_shadow_economy_report_2025

International Monetary Fund

The World BanK

spot_img
spot_img

Latest articles

Related articles

spot_img
https://middleeast-business.com