English / العربية / Français / Eλληνικά

English / العربية / Français / Eλληνικά

ثورة البث المباشر: كيف يعيد تشكيل مستقبل الترفيه والاقتصاد؟

ثورة البث المباشر: كيف يعيد تشكيل مستقبل الترفيه والاقتصاد؟

لم يعد البث المباشر مجرد وسيلة ترفيهية عابرة، بل تحول إلى قوة اقتصادية وثقافية جبارة تعيد رسم ملامح المشهد الرقمي العالمي. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديداً، يتخذ هذا التحول أبعاداً استثنائية، حيث يبشر بفرص غير مسبوقة للنمو والابتكار. يكشف تقرير حديث صادر عن منصة “تيك توك” بالتعاون مع شركة الاستشارات “كيرني”، بعنوان “مستقبل الترفيه“، النقاب عن حجم هذه الطفرة المتوقعة، مستشرفاً مستقبلاً يصبح فيه البث المباشر محركاً رئيسياً للاقتصاد الإبداعي ومصدراً لخلق آلاف الفرص الجديدة، دافعاً عجلة النمو الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة.

تحول المشهد الإعلامي: عصر الرقمنة يفرض كلمته

يشهد المشهد الإعلامي العالمي تحولاً جذرياً، حيث تتراجع الوسائل التقليدية مثل التلفزيون والنشر والسينما أمام المد الرقمي المتصاعد. فبينما شهدت هذه الوسائل ركوداً أو انكماشاً طفيفاً في السنوات الأخيرة، حلقت الإيرادات من المنصات الرقمية عالياً، متجاوزة نظيرتها التقليدية لأول مرة عالمياً في عام 2021. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يتجلى هذا التحول بوضوح أكبر؛ ففي حين استقرت إيرادات الإعلام التقليدي عند حوالي 4 مليارات دولار منذ عام 2019، قفزت إيرادات الإعلام الرقمي من 5 مليارات دولار إلى 7.6 مليار دولار في عام 2023. وتشير التوقعات إلى استمرار هذا النمو الرقمي المتسارع، بقيادة قطاعات الإعلانات الرقمية ومنصات البث عبر الإنترنت (OTT) والألعاب، مؤكدةً أن مستقبل الإعلام يكمن في الفضاء الرقمي.
النمو المتسارع للإعلام الرقمي مقارنة بركود الإعلام التقليدي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يكمن سر الجاذبية المتنامية للبث المباشر في قدرته الفريدة على تلبية تطلعات الجمهور المعاصر وتمكين جيل جديد من المبدعين. فالجمهور اليوم يبحث عن تجارب ترفيهية تتسم بالعفوية والأصالة والتفاعل المباشر، وهي السمات الجوهرية للبث المباشر. المحتوى غير المصقول وغير المكتوب مسبقاً يلقى صدى أعمق لدى المشاهدين (حيث يفضل 63% من المستهلكين مقاطع الفيديو ذات الطابع الأصيل)، كما أن الرغبة في الوصول الفوري للمحتوى، مدفوعة بانتشار الهواتف الذكية، تجعل من البث المباشر الخيار الأمثل. أضف إلى ذلك، تعطش الجمهور للتفاعل والمشاركة، حيث تزيد العناصر التفاعلية من مدة المشاهدة بنحو 20% ويفضل 91% من المستهلكين المحتوى التفاعلي. وفي الوقت نفسه، أدت سهولة الوصول إلى أدوات البث والمنصات المتقدمة إلى “دمقرطة” صناعة المحتوى، حيث يمكن لأي شخص يمتلك هاتفاً ذكياً أن يصبح مبدعاً ويشارك قصصه ووجهات نظره مع جمهور واسع، متجاوزاً الحواجز التقليدية للإنتاج الإعلامي.

طفرة البث المباشر في المنطقة: أرقام واعدة ونظام بيئي متكامل

تستعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتكون في قلب ثورة البث المباشر، مع توقعات بمضاعفة حجم السوق ليصل إلى 17.8 مليار دولار بحلول عام 2030، مقارنة بـ 8.1 مليار دولار في عام 2024. وتبرز أسواق رئيسية مثل الإمارات العربية المتحدة، التي يتوقع أن ينمو سوق البث المباشر فيها من 1.9 مليار دولار حالياً إلى 3.4 مليار دولار بحلول 2030، إلى جانب المملكة العربية السعودية ومصر كقوى دافعة لهذا النمو. ويقوم هذا الازدهار على نظام بيئي متكامل يجمع بين المبدعين والمنصات والجمهور. ففي الإمارات وحدها، يبث حوالي 115,000 مبدع محتوى يومياً عبر مختلف المنصات، مقدمين تجارب متنوعة تشمل الترفيه والتعليم ونمط الحياة. وتلعب منصات مثل “TikTok LIVE” دوراً محورياً في توفير البنية التحتية وأدوات تحقيق الدخل التي تمكن هؤلاء المبدعين، بينما يكمل الجمهور هذه الحلقة من خلال التفاعل والمشاركة عبر التعليقات والإهداءات والاشتراكات، مما يخلق دورة حيوية من النمو والابتكار.

الأثر الاقتصادي والاجتماعي: ما وراء الترفيه

يتجاوز تأثير البث المباشر حدود الترفيه ليشكل محركاً اقتصادياً واجتماعياً مهماً في المنطقة. فهو يساهم بشكل ملموس في الاقتصادات المحلية، ليس فقط من خلال خلق فرص عمل جديدة وتعزيز ريادة الأعمال في الصناعة الإبداعية، بل أيضاً عبر المساهمات الضريبية المباشرة. ففي الإمارات على سبيل المثال، تقدر الإيرادات من ضريبة القيمة المضافة المرتبطة بالبث المباشر بنحو 2.4 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن يقفز هذا الرقم إلى 4.6 مليار دولار بحلول عام 2030. علاوة على ذلك، يفتح البث المباشر آفاقاً واسعة للأفراد لتحقيق الاستقلال المادي وبناء مسارات مهنية مجدية. وعلى الصعيد الثقافي، يتيح هذا النمط الجديد من الإعلام للمبدعين منصة فريدة لعرض الثقافة والقصص والمواهب المحلية أمام جمهور عالمي، مما يعزز التبادل الثقافي ويرسخ الهوية المحلية في الفضاء الرقمي العالمي.

المنطقة كمركز مستقبلي: استغلال الإمكانات الكامنة

تمتلك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبشكل خاص دول مثل الإمارات والسعودية ومصر، مقومات تؤهلها لتصبح مركزاً عالمياً رائداً في صناعة البث المباشر. فالبنية التحتية الرقمية القوية، واللوائح التنظيمية المتطورة، والتوجه الاستراتيجي نحو الاقتصاد الرقمي، كلها عوامل تمهد الطريق لتحقيق هذه الريادة. إلا أن إطلاق العنان لهذه الإمكانات يتطلب تضافر الجهود والتعاون الوثيق بين المنصات الرقمية والهيئات الحكومية والجهات الفاعلة في القطاع الخاص. ويشمل ذلك توسيع نطاق الوصول إلى التدريب والمرافق المتخصصة، ودعم الأعمال التي يقودها المبدعون، وتشجيع إنتاج محتوى هادف يتماشى مع أهداف التنمية الثقافية والوطنية. ومن خلال توفير الدعم المناسب، يمكن للمنطقة جذب أفضل المواهب، وزيادة تأثير القصص المحلية، وتعزيز مكانتها كقائد مؤثر في اقتصاد البث المباشر العالمي المتنامي.

مستقبل واعد يقوده البث المباشر

في الختام، يؤكد تقرير “مستقبل الترفيه” أن البث المباشر ليس مجرد صيحة تكنولوجية، بل هو ثورة حقيقية تعيد تشكيل كيفية تفاعلنا مع المحتوى ومع بعضنا البعض، وتفتح آفاقاً اقتصادية واجتماعية وثقافية هائلة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع استمرار تطور هذا القطاع بوتيرة متسارعة، تقف المنطقة على أعتاب مستقبل واعد يمكنها فيه أن تلعب دوراً محورياً في رسم ملامح المشهد الترفيهي والرقمي العالمي.
spot_img
spot_img

Latest articles

Related articles

spot_img
https://middleeast-business.com