حق الأطفال في الحصول على الهواء النظيف
تنفس الهواء غير النظيف يسبب عواقب حقيقية تتراوح من الحساسية والأزمة التنفسية إلى السمنة وتقلبات المزاج
شهدت مناطق مختلفة من العالم إضراب الطلاب عن الذهاب إلى المدارس احتجاجاً على الاحتباس الحراري وتلوث البيئة، بينما دق مواطنو ناقوس الخطر في دول عديدة، منها السويد وسويسرا وبلجيكا وأستراليا، لحث الحكومات وقادة الأعمال على ان يكونوا جزءاً من الحل لا جزءاً من التلوث، ورافعين شعاراتهم المحتجة على أبواب البرلمانات ومكاتب الحكومات.
وللناشطة غريتا ثونبرغ البالغة من العمر 16 عاماً وزملائها الحقّ في إطلاق الإنذار، فالمشاكل التي يتحدثون عنها تؤثر على مستقبل البشرية بشكل ملموس. فهناك مليارا طفل يعيشون بالفعل في مناطق يتجاوز فيها معدل تلوث الهواء الحدود السنوية التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، والتي تصل إلى 10 ملغرام لكل متر مكعب، بينما يتعرض حوالي 300 مليون طفل لمستويات سامة من الهواء ذي الجودة المتدنية. وأشارت البيانات عام 2016 إلى أن 91 بالمائة من سكان العالم يعيشون في مناطق لا تلبي معايير جودة الهواء التي وضعتها منظمة الصحة العالمية، وأن 93 بالمائة من الأطفال يتنفسون هواء ملوثاً بنسبة أعلى من المستويات المقبولة. ومن الجدير بالذكر أن دول الخليج تضم أربعة من أصل 20 مدينة تعتبر الأخطر من حيث الهواء في العالم – وفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية.
قد تكون ملوثات الهواء في معظمها غير مرئية ولكن أثرها حقيقي لا يمكن إنكاره، إذ يرتبط تلوث الهواء بارتفاع معدلات الإصابة بأمراض القلب والجلطات والسرطانات إلى جانب الأمراض التنفسية كالأزمة. حتى إن التعرض لفترات قصيرة للهواء الملوث يمكن أن يسبب العطاس والسعال وحكة العينين والصداع والدوخة، فالمواد الدقيقة الأصغر قطراً من 10 ميكرومتر يمكن استنشاقها عميقاً في الرئتين وقد تصل إلى مجرى الدعم لتتحول إلى خطر حقيقي على الصحة.
ويعدّ الأطفال الأكثر تأثراً بالهواء الملوث حيث أن جهاز المناعة لديهم غالباً ما يعجز عن مقاومة مسببات التحسس المختلفة والملوثات الدقيقة الصادرة عن انبعاثات المركبات والأنشطة الصناعية. كما أنهم عرضة لمسببات التحسس والفيروسات المنقولة بالهواء بشكل أكبر لدى تعرضهم للهواء الملوث لأن الجهاز المناعي في الرئتين لم ينمُ بالكامل ولا يمكنه الدفاع ضد تلك الأجسام الضارة. ولأن الأطفال يتنفسون بسرعة أكبر من الكبار، فإنهم يستنشقون عدداً أكبر من الملوثات نسبة إلى حجم أجسامهم.
ويؤكد الأطباء في دولة الإمارات ارتفاع معدلات الإصابة بالحساسيات والأزمة والتهاب القصبات الهوائية بين الأطفال خلال السنوات الأخيرة الماضية، مبينين أن تلوث الهواء عامل أساسي في ذلك، وأن على المدارس والجامعات القيام بدور أكبر لتطبيق أنظمة الهواء النظيف.
ومع كل ذلك، فلا تشكل الأمراض التنفسية مصدر القلق الأكبر، فالمنطقة تشهد واحداً من أعلى معدلات سمنة الأطفال في العالم، ويقول العلماء في معهد برشلونة للصحة العالمية أنهم عثروا مؤخراً على رابط بين التعرض للتلوث الهوائي، وبخاصة في المدرسة، وارتفاع معدلات السمنة والوزن الزائد بين الأطفال. كما وجدت دراسة أخرى أن انخفاض جودة الهواء تغيّر بنية الدماغ لدى المراهقين مسببة لهم التلوث والتغيرات المزاجية الحادة. تتزايد الأدلة في كميتها ولكن ما الذي نقوم به لمكافحة ما تصفه اليونيسيف كأزمة صحية؟
لا شك في ان الحفاظ على صحة أطفالنا ورفاههم هو الرغبة الأولى والمسؤولية الأعظم للأهل في كل مكان. ويعني ذلك على المستوى الشخصي تثقيف أنفسنا حيال المشاكل الراهنة واستخدام المنتجات أو الحلول التي تساهم في تنقية الهواء داخل منازلنا ومركباتنا، وحتى في الخارج بطريقتنا الخاصة. أما على المستوى الأوسع، فيمكن لكل منا أن يستوحي إلهامه من ثونبرغ وأصدقائها والعمل من أجل تقليل المستويات الخطرة للتلوث الهوائي. يمكن للأهل وأولويات الأمور مساءلة المدارس والجامعات عبر توجيه أسئلة بسيطة، بينما يتعين على المؤسسات أن تقوم بدورها في تحسين إمكانات الوصول للهواء النظيف، كما تفعل بلو إير، وذل من خلال المبادرات الاجتماعية أو العمل المؤسسي على نطاق أوسع.
يحق للأطفال التمتع بأحد حقوق الإنسان الأساسية للعيش في بيئة صحية وهواء نظيف، ولا بد أن يساهم كل شخص بالغ في تحقيق هذا الهدف، دون استثناء أي طفل في العالم.