4,1 مليون خلوي في الضفة وغزة.. إنفاق مُفرط على الاتصالات والإنترنت وعلاقات مشوّهة
يستدعي الانتشار المتزايد لأجهزة الاتصالات عمومًا، والاستخدام المفرط للإنترنت وتطبيقاته المختلفة، وقفةً مطولة على مختلف الأصعدة، لنعرف إلى أين وصلنا في هدر وقتنا، وعلاقاتنا الاجتماعية المشوّهة.
التقرير التالي يبحث في تفاصيل ظاهرةٍ أضحت تأثيراتها تتسع كل يوم فيما يخص حجم الإنفاق المرتفع في الاتصالات والمعلوماتية مقارنة بالدخل المتدني، ويرصد الدلالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتنموية في القطاع المُتسارع.
كما تُشكّل “آفاق البيئة والتنمية” “مجموعة فحص” لتتّبع حجم الإنفاق على الأجهزة الخلوية والشبكة العنكبوتية، وتحاور مسؤولين ومختصين وخبراء ووزير اتصالات سابق، وتجمع أرقامًا رسمية من “الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني”.
عيّنة مُصغرة وفجوات هائلة
أجرينا مسحًا على مجموعة مكونة من 50 طالبًا جامعيًا، بهدف التعرف على إنفاقهم هم وعائلاتهم على الاتصالات والإنترنت والمعلوماتية.
ويشمل المسح عدد الهواتف المحمولة، والحواسيب، والحواسيب اللوحية (تابلت)، والشاشات الذكية، والهواتف الأرضية، وخدمة الإنترنت، وحزم الجيل الثالث 3G، ومتوسط الإنفاق مقارنة بعدد أفراد العائلة، وعدد الساعات.
وأفضى المسح إلى أن 47 من أصل 50 أجمعوا أن إنفاقهم مرتفع أكثر من اللازم، ووقت استخدامهم للهواتف الذكية والإنترنت مبالغٌ فيه، يصل أحيانًا إلى 12 ساعة، “وهو أمر بحاجة إلى مراجعة، لكنها مسألة صعبة” كما يقرّون.
حسنًا دعونا نستعرض عينة من الإجابات، تقول تسنيم نجم إن أسرتها مكونة من 8 أفراد، ولديهم 5 هواتف ذكية ثمنها 4 آلاف شيقل، و5 أجهزة لوحية، وشاشة ذكية، واشتراك بشبكة الإنترنت.
وآية قطيط أيضًا عدد أفراد أسرتها كسابقتها، لديهم 7 هواتف بـ 9500 شيقل، وحاسوبان، وتنفق 500 شيقل شهريًا على رسوم الهاتف والإنترنت وحِزمها، عدا عن شحن الهواتف بالأرصدة.
أما نور محمد، لدى أسرته أجهزة نقالة بعدد أفرادها الستة، قيمتها مجتمعة 7600 شيقل، وتحتاج لنفقات شهرية 500 شيقل.
وفي عائلة أسماء حامد 5 أفراد و6 أجهزة بنحو 6 آلاف شيقل، ومصروفات شهرية تُقدّر بــ 600 شيقل.
وفي منزل أنسام كمال خمسة أفراد، بحوزتهم 6 أجهزة ذكية قيمتها 8000 شيقل، تتطلب 700 شيقل لتغذيتها برصيد كل شهر.
أما آية وزوجها يملكان ثلاثة هواتف ذكية قيمتها نحو 6 آلاف شيقل، تحتاج لشحن بـ 120 شيقلًا شهريًا.
وتملك ياسمين زيود وعائلتها ذات الأفراد السبعة 8 أجهزة ثمنها 9650 شيقلًا تتطلب نحو 600 شيقل شهريًا، ولدى عائلة شذا رائد 7 هواتف ثمنها 10 آلاف شيقل وتتطلب نحو 700 شيقل لشحنها.
انتشارٌ واسع وإنفاق مرتفع
بلغة الأرقام، ووفق بيانات طلبها مراسل “آفاق البيئة والتنمية” من “جهاز الإحصاء”، بلغت نسبة الأسر التي لديها خدمة إنترنت في النصف الأول من العام الحالي 91,9%، فيما وصلت نسبة الأفراد (10 سنوات فأكثر) الذين يستخدمون الإنترنت 88,5%، و82,6 لديهم أجهزة هواتف خلوية، و72,7% بحوزتهم هواتف ذكية.
وكان آخر مسحٍ حول “متوسط إنفاق الأسرة الشهري بالدينار الأردني على الاتصالات” في عام 2017، بعينةٍ شملت 3,739 أسرة، وفيه بلغ متوسط رسوم المكالمات الهاتفية عبر “التليفون” 72,5 دينارًا، و13.87 دينارًا للهاتف الخلوي، وخدمة الإنترنت 6,17 دينارًا، من أصل 934,90 دينارًا.
في حين، بلغَ إجمالي عدد مشتركي الاتصالات 3,89 ملايين لخطوط الهاتف النقال والهاتف الثابت، وخطوط البيانات (الإنترنت)، وذلك في نهاية الربع الأول من العام الحالي، بنمو 0,4% مقارنةً بنهاية العام المنصرم 2021.
غير أن بياناتٍ نشرها كلٌ من “الإحصاء” ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مايو/ أيار الماضي، أكدت أن عدد خطوط الهاتف الثابت (منزلي، وتجاري، وحكومي) 485,829 خطاً نهاية عام 2021، مقارنة بـــ 360,402 خط في أواخر عام 2010 بزيادة 35%.
وارتفع عدد الاشتراكات الفعّالة في الاتصالات المتنقلة مع نهاية عام 2021 لتصل إلى حوالي 4,1 مليون اشتراك فعّال، مقارنة بــــ 2,6 مليون اشتراك نهاية عام 2010، أي بزيادة 56%.
وأظهرت الإحصاءات أن أكثر من ثلثي كبار السن لديهم هواتف نقالة، وحوالي 71% من الأفراد (10 سنوات فأكثر) يمتلكون هاتفًا ذكيًا، بينما ارتفع عدد مشتركي الإنترنت فائق السرعة ADSL إلى حوالي 405 آلاف مشترك في نهاية عام 2021 مقارنةً بـــ 119 ألف مشترك في نهاية عام 2010، بزيادة 240%.
م. ليث دراغمة مدير عام الإدارة العامة للاتصالات في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
“الاتصالات”: باب الاستثمارات لم يُغلق
من ناحيته، عقّب م. ليث دراغمة مدير عام الإدارة العامة للاتصالات في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، على بيانات “الإحصاء” سالفة الذكر: “قبل أربع سنوات كان الفلسطينيون ينفقون 18.5 % من دخلهم على الاتصالات والمواصلات، أولاً هذه نسبة قديمة نسبياً، وقد طرأ انخفاض ملموس على الأسعار في هذه الفترة، كما أن الأرقام المذكورة تشمل المواصلات، ودون الفصل من الصعب الحكم على النسبة، كون “المواصلات” تمثل الحصة الأكبر”.
وقال دراغمة:” معدل سعر حزمة النطاق العريض الثابتة “نسبةً من معدل دخل الفرد عالميًا” هو 9% تقريبًا، وبالتالي فإن نسبة 18.5% لكلٍ من الاتصالات والمواصلات رقم جيد”.
وحول القراءة الاقتصادية لــ “أجهزة اتصالات خلوية في السوق الفلسطيني قيمتها نحو 6 آلاف شيقل مقارنة بحدٍ أدنى للأجور يبلغ 1880 شيقلاً”، كان رأي دراغمة: “في السوق المحلي العديد من الخيارات للمستهلك التي تلبي الحاجة الأساسية من خدمات الاتصالات، ومن غير المنطقي ربط أعلى الأسعار بالحد الأدنى للأجور، وتوّفر هذه الأجهزة يدل على قدرة شرائية لعددٍ من المستهلكين لذا يُقبلون عليها”.
وأشار إلى أن مهام الوزارة في سوق الأجهزة الخلوية “ينحصر في ترخيص المهنة، وإصدار الموافقات النوعية للتأكد من مطابقتها للمواصفات المعتمدة، وما يتعدى ذلك يدخل في نطاق حريات وسلوكيات المستهلك ولا يمكننا تقييدها”.
وأكد أن الأرباح العائدة على الاستثمارات في الاتصالات “لا يمكن مقارنتها بالأوضاع الاقتصادية للبلدان عمومًا”، أما النمو في أعداد المشتركين يُعد “ضمن الطبيعي”.
وأوضح دراغمة أن حوالي 77% منهم في عام 2021 كانوا يقتنون أجهزة متنقلة، لكن “لا تتوفر أداة قياس منهجية ومقارنة عالمية للبتّ فيما إذا ما كان هذا الإنفاق مرتفعًا أم لا، وفي كِلتا الحالتين هو نشاط اقتصادي حر يُعبّر عن سوق عالمي ومحلي ينمو بسرعة.
وفيما يتصل بأسعار الاتصالات في فلسطين وجودتها مقارنةً بدول الجوار، يخبرنا: “الوزارة تسعى دائماً إلى توفير أحدث وأفضل الخدمات للمواطنين وبأسعار مناسبة ومعقولة، وقد خفضّت الأسعار في الأعوام السابقة في جميع الخدمات الخاضعة للتنظيم”.
وزاد بالقول في السياق نفسه: “تكاليف خدمات الاتصالات في فلسطين تختلف عن باقي دول العالم نظرًا للمعيقات المفروضة من الاحتلال”.
جدير بالذكر أنه صدر قرار بــ “قانون تنظيم قطاع الاتصالات” في عام 2021، والعمل جارٍ حالياً على تطبيق بنوده، وحُدّث القانون الحالي بما يتواءم مع متطلبات العصر والسوق.
وتبعًا لحديث دراغمة “لم تغلق الوزارة الباب أمام أي استثمارات في السوق المحلي وبخاصة سوق “الهاتف الثابت”، وعملت أخيرًا على إصدار رخصٍ جديدة وموافقات على تمديد شبكات الألياف الضوئية لخمس شركات، تُشكّل منافسًا للمزود الأكبر الحالي”.
ويشير إلى أنه في سوق الهاتف النقال يرتبط وجود منافس من عدمه بعدة عوامل منها “القيود المفروضة على الترددات الخاصة بالهاتف المحمول، ومعيقات الاستثمار في فلسطين، ومنافسة الشركات الإسرائيلية”.
“جوال” تعتذر عن الرد
أرسلت “آفاق البيئة والتنمية” أسئلة مكتوبة لشركة الاتصالات الفلسطينية الخلوية “جوال”، وردّت الأخيرة بإرفاق روابط الشركة الإلكترونية وصفحتها في “فيس بوك”، للاطلاع على “الأسعار والبرامج الموجودة للمشتركين.
وأكدت أنه ليس لديها دراسة تقارن بين أسعارها وأسعار الاتصالات في العالم، مشيرةً إلى مشاركاتها المجتمعية من فعاليات ورعايات كونها جزءًا من مسؤوليتها تجاه قطاعات المجتمع.
وقالت الشركة في رسالة عبر البريد الإلكتروني: “بخصوص الأسئلة المتبقية يمكنكم التواصل مع جهات أخرى تفيدكم بها على نحوٍ أكثر اختصاصًا”.
د. مشهور أبو دقة وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق
غياب إستراتيجية وطنية
بينما قال د. مشهور أبو دقة وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق إن اقتناء أجهزة اتصالات باهظة الثمن بما لا يتناسب مع الدخل لا يختلف عن امتلاك سيارات فارهة بالتقسيط، لكن الأكثر خطورة أننا نستورد أجهزة المحمول، وفي كل عامٍ يصدر موديل جديد ما نلبث أن نلاحقه، ما يعني استنزاف اقتصادنا.
وأضاف: “من المُقلق غياب إستراتيجية وطنية بشأن ما نصبو إليه في حقل تكنولوجيا المعلومات، عمادها توزيع الخدمات بأسعار معقولة وتنافسية تضمن جودة الخدمة وانخفاض الأسعار”.
ويُعارض أبو دقة التمديد الحصري لشركة الاتصالات، الذي حدث بعد انقضاء 10 سنوات سابقة، وهو ما ينعكس على الخدمة والأسعار، ويغيّب المنافسة، كما يقول.
وشدّد في ثنايا كلامه على أنه “لا يمكن إنشاء أكثر من بُنية تحتية لقطاع الاتصالات، ويُفترض التنافس الحر بواسطة بُنية واحدة لا تستأثر بها شركة واحدة”.
متوقعًا استمرار ارتفاع أسعار الاتصالات والإنترنت في الأمد المتوسط، ومع هذا، أعرب عن أمله في إعادة تنظيم هذا القطاع مع أي تغيير وزاري قادم.
وأكد أبو دقة أن إنفاق الفلسطينيين على قطاع الاتصالات مرتفع قياسًا بمستوى الدخل، حتى أنه أعلى من الأردن على سبيل المثال، مستطردًا: “وفق تقارير البنك الدولي السابقة فإننا لم نعمل على تحرير قطاع الاتصالات، كما أن القرار الخاص بــ “قانون الهيئة الفلسطينية لتنظيم قطاع الاتصالات” لم يُطبق، مثلما يُحتّم ترخيص الشركات تحقيق شمولية في خدماتها للمواقع كافة، وهذا ما نفتقده”.
وأشار إلى أن المجتمعات الفقيرة تنزاح نحو الاستهلاك، مبينًا: “في حالتنا المعقدة يبيعنا الاحتلال ثروتنا من ترددات الاتصالات، ويمنعنا من استخدامها، مما يُوجب اعتماد نهج للتعامل مع هذا الواقع، بحيث لا يتعدّى إنفاقنا على الاتصال نسبة تتفاوت من 3 إلى 4 % من الدخل”.
وتطرّق إلى شروط الوصول لقطاع اتصالاتٍ متوازن، قائلاً: “تطبيق القرار بقانون لتنظيم الاتصالات، وفتح باب المنافسة أمام الشركات؛ لأنه دون منافسة لن تُقدم خدمات ذات جودة عالية، وبأسعار منخفضة، وإنتاجية أفضل”.
وقدّر أبو دقة الخطوط الثابتة بـ 400 ألف، ونحو 20 ألف خط “إنترنت فايبر”، فيما لا تملك الوزارة الإمكانية الفنية لمراقبة شركة الاتصالات.
د. أسعد تفال رئيس قسم الخدمة الاجتماعية بكلية الاقتصاد والعلوم الاجتماعية في جامعة النجاح
أزمة أخلاقية وانفصام
يرى د. أسعد تفال رئيس قسم الخدمة الاجتماعية بكلية الاقتصاد والعلوم الاجتماعية في جامعة النجاح، بأن ما يحدث اليوم من غرق في عالم الاتصالات إنما هو “نزعة شرهة” إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وكل ما له علاقة بالاتصالات”، دون الأخذ في الاعتبار الثمن الباهظ للأجهزة المتنقلة، والخدمات المتصلة بها.
وحذر د. تفال من أن هذه الأجهزة تتيح لنا التواصل مع العالم افتراضيًا، فتنسينا الواقع الأليم الذي نعيشه بمختلف جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
ومضى قائلًا “الهروب من الواقع والانفتاح المبالغ فيه على “الإعلام الاجتماعي” ليس صحيًا أبدًا”، خاصة مع ما نشهده من ارتفاعٍ لمعدلات البطالة والفقر والمخدرات وغيرها من المشاكل.
وأشار إلى أن “الاستخدام المبالغ فيه” للاتصالات يشعرنا وكأننا لا نستطيع العيش دون إنترنت، وإن لزم الأمر نستغني عن الماء والكهرباء.
وذكر تفال أن الاستخدام الخاطئ للاتصالات “يضعنا في أزمة أخلاقية”، جراء استخدام هذه الوسائل بصورة غير صحية، مضيفًا: “اقتحمَ الإنترنت أدق تفاصيل حياتنا، فمنبع الأزمة يكمن في أن صعوبة واقعنا تدفعنا للبحث عن واقع أكثر راحة منه، ولعل الفجوة الكبيرة بين الواقع والمأمول أدت إلى تلك “النزعة الشرهة”، فضلًا عن غياب رقابة الأسر، وإقدام بعضها على شراء أجهزة ذكية لأطفالها في سن مبكر دون حاجة لذلك”.
ورثى حالَ ما سمّاه “المنظومة المجتمعية المتهالكة”، نتيجة غياب التناغم في الأدوار بين المؤسسات، وعدم جاهزية المجتمع للتعامل مع وسائل الاتصال المتقدمة، وكذلك عدم التمييز بين الأساسي والكمالي في حياتنا.
وتنبّأ بعلاقة “مستمرة ومشوهة” مع الاتصالات وأجهزتها ووسائلها، مستدركًا قوله: “لكن ليس بوسعنا الاستغناء عنها، مع اتساع نطاق التعليم والتجارة والعملات الإلكترونية، ولا بأس في ذلك، وإنما الخلل يحدث بسبب غياب الرقابة أو التوجيه، وأننا لا نلقي بالًا للتأثيرات الاجتماعية للاتصالات، وما تلحقه من ضررٍ بمنظومتنا القيمية أو الاقتصادية”.
ولفت إلى أن الانفتاح المُفرط على الاتصالات أدى إلى “انفصام مجتمعي”، بدليل اقتناء الشرائح الفقيرة بل والمُعدمة للأجهزة المحمولة، وإنفاق المال والوقت عليها، دون النظر إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع معدلات البطالة والفقر.
والخطير وفق تفال، أن “ما كان في الماضي ترفيهيًا أضحى اليوم أساسيًا”، فيما ستزيد هذه النزعة تغلغلًا وعمقًا طالما أنه ليس لدينا “فكر وثقافة مضادة”، تاركةً المزيد من الآثار المدمرة، وأخطرها التفكك الأسري أكثر مما هو عليه، والتباعد الاجتماعي، وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
د. محمد ابو شربة مساعد عميد كلية العلوم المالية والإدارية في الجامعة العربية الأميركية
المشكلة في المستهلكين أيضًا
بالانتقال إلى د. محمد أبو شربة مساعد عميد كلية العلوم المالية والإدارية في الجامعة العربية الأميركية، فقد رأى أن سبب ارتفاع أسعار تكنولوجيا الاتصالات هو ارتباط اقتصادنا بالاحتلال وسيطرته على أسواقنا.
وأضاف د. أبو شربة: “لنقل إن متوسط دخل الأسرة الفلسطينية 3500 شيقل، فيما يصل المتوسط في دولة الاحتلال إلى 14 ألف شيقل، بينما يصل متوسط دخول نحو 120 ألف عامل داخل “الخط الأخضر” 9 آلاف شيقل للواحد منهم، وما يحدث عموماً أن الإنفاق يفوق الدخل؛ والادخار لا مكان له”.
وقال إن عرض هواتف في السوق بأسعار تصل إلى 6 آلاف شيقل “لا يعني أن يُقبل المستهلكون بالضرورة على اقتنائها”.
وشدد على رؤية مفادها: “لا بد من نشر الوعي للتوجه نحو بدائل اقتصادية، والإمساك عن التهافت على “الماركات الفاخرة”، والتحذير من سلوك الاقتراض لغايات كمالية، كما يفعل كثيرون”.
أبو شربة، الذي يشغل منصب نائب رئيس جمعية حماية المستهلك في جنين، يفصح قائلًا: “الجمعية ليس من مهامها تنفيذ القرارات، بل دورها توعوي فيما يخص ثقافة الاستهلاك والمنتج الوطني، وقد تواصلت بمراسلات رسمية مع وزارة الاتصالات أكثر من مرة حول الحد الأدنى لخطّ نفاذ الإنترنت، لكنها لم تتلّق ردًا”.
وبشأن ارتفاع متوسط الإنفاق اليومي على الأجهزة الخلوية قياسًا بدخل الفرد، عقّب قائلًا: “المعضلة الأساسية في الإنفاق على الاتصالات لا علاقة لها فقط بالمستثمرين في هذا القطاع، بل بالمستهلكين الذي يبحثون عن أجهزة مُبالغ في ثمنها ومزاياها، وأمام سوق مفتوح، يترقب الكثيرون وصول الموديلات الحديثة لتبديل أجهزتهم، فيهدرون المال والوقت فيها”.
ويأسف لما آل إليه الحال: “أصبحت التكنولوجيا من أبجديات حياتنا، بعد أن أفرطنا في التعامل مع الاتصالات وأجهزتها بفترة قد تفوق أحيانًا 18 ساعة”.
ومن جهة أخرى، انتقد ارتفاع أسعار خدمات الاتصالات مقارنة بالخارج، بسبب احتكار الخدمة، وعدم وجود منافسة، تبعًا لرأيه.
وعدَّ أن الطريق إلى معالجة الإفراط في الإنفاق على الاتصالات، جوهره ليس اقتصاديًا بقدر ما هو متشابك مع الثقافة والتربية ومحاربة التقليد الأعمى.
د.حسن عبد الكريم عميد كلية التربية السابق في جامعة بيرزيت
فوضى أولويات
من جانبه، عزا د. حسن عبد الكريم عميد كلية التربية السابق في جامعة بيرزيت الخلل في “الانفتاح المفرط على الاتصالات” إلى التركيز في التربية المدرسية على الجانب المعرفي.
وفي هذا الصدد، أثنى على واحدة من طرق التربية في بلاد الغرب، وهي تنشئة الأطفال على التعامل الأنسب مع الإنفاق على سلعٍ أساسية بعشرة دولارات.
ويبتسم عند إجراء هذه المقارنة: “لكن في ثقافة مراهقينا يختلف ترتيب الأولويات، الذين يبدون استعدادهم للتخلي عن الأساسيات مقابل اقتناء أجهزة خلوية مرتفعة الثمن”.
وأضاف أن جزءًا من الأزمة يتمثل في سريان اعتقادٍ لدى شرائح واسعة بأن “السلع مرتفعة الثمن تُكمل نقصنا، لذا نرى الفوضى في إدارة المال أمام مغريات التكنولوجيا”.
وبدا مستغربًا من أسرة مكونة من خمسة أفراد تمتلك أحيانًا 12 شاشة تتنوع بين هواتف خلوية، وحواسيب.
وقرع عبد الكريم ناقوس الخطر منبهًا من الشاشات التي ترّبى الأجيال، مضيفًا: “صارت الهواتف الذكية هي المعلم الجديد للأبناء والمنهاج الخفي الذي يخطفهم من فطرتهم ويتدخل تدخلاً سافرًا في تربيتهم، لقد أدخلتنا التكنولوجيا في نفقٍ مظلم بعد أن تغلغلت في أبنائنا بطريقة عابرة للحدود دون أي قدرة على مجابهتها”.
وشبّه الأجهزة الخلوية بعالمٍ متكامل، نزَع الأطفال من براءتهم وسياقهم، وتسبّب بانعكاساتٍ نفسية وخيمة، ونجم عنه ظواهر عديدة كالتنمر والابتزاز الإلكتروني، وتشويش مفهوم الأولويات، وهكذا انسحبَ كل فردٍ في العائلة إلى عالمه الافتراضي وأصبح مهربه المفضل.