مستقبل البيتكوين والريبل والاثيريوم
بقلم رانيا جول ، كبير محللي الأسواق في XS.com – منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)
يشهد سوق العملات المشفرة تحولًا جذريًا بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن “الاحتياطي الاستراتيجي للعملات المشفرة”، والذي يشمل البيتكوين والإيثريوم والريبل وسولانا وكاردانو. وقد أثار هذا الإعلان موجة من الارتفاعات القوية في أسعار هذه الأصول المشفرة، مما يعكس التأثير العميق للسياسات الحكومية والتوجهات التنظيمية على السوق. لكن السؤال الأهم هنا هو: كيف سيؤثر هذا التحول على مستقبل العملات المشفرة؟ وهل يمكن أن يقود إلى عصر جديد من الشرعية والاعتماد المؤسسي، أم أنه مجرد موجة صعود مؤقتة مدفوعة بالمضاربات؟
لقد لاحظنا أنه وفي ظل هذا التطور، ارتفع سعر البيتكوين إلى 93,000 دولار بعد قفزة بنسبة 9.53%، بينما سجل الإيثريوم دعمًا قويًا عند 2,125 دولارًا، وشهد الريبل اختراقًا لمستوى المقاومة اليومي عند 2.79 دولارًا، مما يعكس زخمًا شرائيًا قويًا في السوق. وهذه القفزات السعرية برأيي ليست مجرد انعكاس لحماسة المستثمرين، بل تأتي في سياق توجهات تنظيمية قد تغيّر المشهد المالي العالمي. ومن الناحية الفنية، يبدو أن هذه العملات تدخل مرحلة صعودية قوية، لكن هل يمكن أن يستمر هذا الزخم في ظل حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي؟
من وجهة نظري يعتبر إعلان ترامب عن الاحتياطي الاستراتيجي للعملات المشفرة يمثل تحولًا غير مسبوق في رؤية الحكومات للعملات المشفرة. فمنذ سنوات، كانت الهيئات التنظيمية الأمريكية تتخذ موقفًا متشددًا تجاه العملات المشفرة، معتبرة إياها أدوات مضاربة تنطوي على مخاطر عالية. إلا أن إعلان ترامب يعكس توجهًا مختلفًا، يهدف إلى جعل الولايات المتحدة “عاصمة العملات المشفرة في العالم”. وإذا تم تنفيذ هذا المشروع بالفعل، فقد يؤدي إلى تعزيز الشرعية المؤسسية لهذه الأصول، مما قد يفتح الأبواب أمام تدفقات استثمارية ضخمة من المؤسسات المالية الكبرى.
لكن على الجانب الآخر، هناك تساؤلات جوهرية حول كيفية تنفيذ هذا الاحتياطي. هل سيكون عبارة عن مخزون فعلي تحتفظ به الحكومة من العملات المشفرة، أم أنه مجرد إطار تنظيمي جديد يسمح للمؤسسات المالية بالتعامل معها بحرية أكبر؟ وإذا كان الهدف هو إنشاء احتياطي فعلي، فمن أين ستأتي الحكومة بهذه الأصول؟ هل سيتم شراؤها من السوق، مما قد يؤدي إلى ارتفاعات سعرية غير مسبوقة، أم سيتم الاعتماد على العملات المشفرة التي تمت مصادرتها من عمليات إنفاذ القانون؟
كما أرى إن التأثير السياسي لهذه الخطوة لا يمكن تجاهله. فمن المعروف أن إدارة الرئيس جو بايدن كانت تتبنى نهجًا صارمًا تجاه العملات المشفرة، بحجة المخاوف المتعلقة بغسيل الأموال والاحتيال. وبالتالي، فإن تبني ترامب لنهج مغاير تمامًا قد يكون جزءًا من استراتيجيته الانتخابية لاستقطاب مجتمع العملات المشفرة. ومن هذا المنطلق، فإن نجاح هذا المشروع سيعتمد بشكل كبير على سياسات ترامب المقبلة، حيث يمكن أن يكون هذا الاحتياطي مجرد وعود سرعان ما تتلاشى إذا لم يتمكن ترامب من وضع آلية قوية لتطبيقها.
وأعتقد أنه في الوقت الحالي ، تلعب العوامل النفسية دورًا رئيسيًا في تحركات الأسعار في الأسواق المالية. فارتفاع العملات المشفرة بعد هذا الإعلان يعكس حالة من التفاؤل المفرط بين المستثمرين، لكن التجارب السابقة أظهرت أن مثل هذه الارتفاعات المفاجئة قد تتبعها تصحيحات عنيفة، خاصة إذا لم يتم الكشف عن تفاصيل واضحة حول كيفية تنفيذ هذا الاحتياطي. ولذلك، فإن المستثمرين بحاجة إلى التعامل بحذر مع هذه التطورات، مع الأخذ في الاعتبار أن الأسواق قد تشهد تقلبات قوية في الفترة المقبلة.
أما على المدى الطويل، فبرأيي سيتحدد مستقبل العملات المشفرة بناءً على عوامل أعمق من مجرد إعلان سياسي. فالتطورات التكنولوجية، ومستوى التبني المؤسسي، والإطار التنظيمي العالمي كلها ستلعب دورًا أساسيًا في تحديد مسار هذه الأصول. وإذا نجحت الحكومات في وضع إطار تنظيمي متوازن، يسمح بالابتكار مع تقليل المخاطر، فقد نشهد دخول العملات المشفرة إلى عصر جديد من الاستقرار والنمو المستدام.
وفي النهاية، أعتقد إن إعلان ترامب عن الاحتياطي الاستراتيجي للعملات المشفرة يمثل خطوة جريئة قد تكون لها تداعيات كبيرة على السوق. لكن كما هو الحال مع أي تطور سياسي، فإن النجاح سيعتمد على القدرة على تحويل هذه الأفكار إلى سياسات واقعية قابلة للتنفيذ. وبالنظر إلى الطبيعة المتقلبة للأسواق المشفرة، فإن الحذر والتحليل الدقيق يبقيان أمرين ضروريين للمستثمرين الذين يسعون إلى الاستفادة من هذه الموجة الجديدة دون التعرض لمخاطر غير محسوبة.