الذهب يتأرجح بين ضغوط قصيرة وآفاق طويلة
تشهد أسواق الذهب العالمية حالة من التباين الحذر خلال تعاملات يوم الاثنين، حيث تتراجع الأسعار الفورية في حين ترتفع العقود الآجلة، وسط حالة من الترقب لبيانات التضخم الأمريكية والمفاوضات التجارية المرتقبة بين الولايات المتحدة والصين هذا الأسبوع، وهما عاملان رئيسيان من المتوقع أن يحددا الاتجاه المقبل للأسواق المالية العالمية.
استعادة التوازن بعد موجة بيع حادة
قال كايل رودا، المحلل في شركة كابيتال دوت كوم، إن سوق الذهب يحاول استعادة توازنه بعد الموجة البيعية الحادة التي شهدها يوم الجمعة الماضي، موضحًا أن “حالة التفاؤل المفرط” التي سادت الأسابيع الأخيرة بدأت تهدأ تدريجيًا، لتعود الأسواق إلى نمط أكثر واقعية في التعامل مع الأخبار الاقتصادية والسياسية.
ويأتي هذا الحذر بعد أن انخفض الذهب بنحو 1.8% يوم الجمعة، وهو أكبر تراجع له منذ منتصف مايو، عقب تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال فيها إن فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على السلع الصينية “لن يكون مستدامًا”، مضيفًا أنه يعتزم لقاء نظيره الصيني شي جين بينغ قريبًا، في إشارة إلى رغبته بتهدئة التوترات التجارية بين البلدين.
ترقب بيانات التضخم الأمريكية
تتجه أنظار المستثمرين الآن إلى بيانات مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي (CPI) المقرر صدورها يوم الجمعة المقبل، والتي تُعد الحدث الأبرز في الأسبوع. وتشير التوقعات إلى أن معدل التضخم الأساسي سيبقى مستقرًا عند 3.1% في سبتمبر، وهو ما قد يمنح الفيدرالي الأمريكي مزيدًا من المرونة في مواصلة مسار خفض الفائدة.
وأوضح رودا أن غياب البيانات الاقتصادية المؤثرة مؤقتًا خلال الفترة الأخيرة سمح بارتفاع الذهب بشكل قوي، لكن الأسواق الآن تنتظر مؤشرات جديدة لتحديد الاتجاه التالي، خصوصًا في ظل تزايد رهانات خفض الفائدة الأمريكية.
رهانات قوية على خفض الفائدة ودعم مستمر للذهب
وفقًا لأداة متابعة الفائدة الأمريكية المتاحة على موقع إنفستنغ السعودية، تسعّر الأسواق بالكامل خفضًا للفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية خلال الشهر الجاري، مع توقع خفض إضافي في ديسمبر المقبل.
هذا التوجه المستمر نحو التيسير النقدي ينعكس دعمًا مباشرًا على الذهب، الذي حقق منذ بداية العام مكاسب تجاوزت 60%، مسجلًا أعلى مستوى تاريخي له عند 4,378.69 دولارًا للأوقية يوم الجمعة الماضي.
ويُعزى هذا الأداء القوي إلى مزيج من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية، من بينها:
-
تزايد التوترات الدولية في مناطق عدة.
-
توقعات بخفض حاد للفائدة الأمريكية.
-
الشراء القوي من البنوك المركزية حول العالم.
-
توجه دولي لتقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي.
-
تدفقات قوية إلى صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب (ETFs).
الذهب عند التسوية
عند تسوية تعاملات الجمعة الماضية، تراجعت عقود الذهب الآجلة لشهر ديسمبر بنسبة 2.12% أو ما يعادل 91.3 دولارًا لتستقر عند 4,213.30 دولارًا للأوقية، لكنها رغم ذلك سجلت مكاسب أسبوعية بلغت 5.32%، ما يعكس استمرار الدعم طويل الأجل للمعدن الأصفر رغم التقلبات اليومية.
أما في تعاملات اليوم، فقد انخفض الذهب الفوري بنسبة 0.4% إلى 4,233 دولارًا للأوقية، في حين صعدت العقود الآجلة بنسبة 0.8% إلى 4,246 دولارًا للأوقية، وهو ما يعكس استمرار حالة التذبذب الحذر في انتظار المحركات الاقتصادية المقبلة.
أداء الدولار والمعادن الأخرى
في المقابل، ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.1%، ما شكّل ضغطًا محدودًا على أسعار الذهب.
أما بالنسبة لبقية المعادن النفيسة، فقد ارتفعت الفضة الفورية بنسبة 0.6% إلى 52.18 دولارًا للأوقية بعد تراجعها الحاد يوم الجمعة بنسبة 4.4%، في حين تراجع البلاتين بنسبة 2% إلى 1,589.60 دولارًا، وانخفض البلاديوم بنسبة طفيفة بلغت 0.2% إلى 1,470.83 دولارًا للأوقية.
قراءة مستقبلية: الذهب بين ضغوط المدى القصير وآفاق المدى الطويل
مع اقتراب نهاية عام 2025، يبدو أن الذهب يقف عند مفترق طرق حاسم. فمن ناحية، تؤدي التوقعات المتزايدة بخفض أسعار الفائدة الأمريكية إلى دعم الأسعار، إذ يضعف ذلك جاذبية الدولار ويعزز الطلب على الأصول غير المدرة للعائد مثل الذهب. ومن ناحية أخرى، قد تُبقي التحركات المفاجئة في السياسة النقدية أو انفراجات محتملة في العلاقات التجارية الأمريكية–الصينية على الأسواق في حالة من التقلب.
ويرى محللون أن أي تباطؤ اقتصادي عالمي أو اضطرابات جيوسياسية جديدة قد يدفع المستثمرين إلى العودة نحو الذهب كملاذ آمن، ما قد يعيد الأسعار إلى تسجيل قمم جديدة فوق حاجز 4,400 دولار للأوقية خلال الربع الرابع من العام.
في المقابل، فإن استقرار التضخم الأمريكي وتماسك الدولار قد يشكلان عامل ضغط مؤقت يدفع الأسعار إلى التراجع نحو مستويات دعم فنية في نطاق 4,100–4,150 دولارًا.
لكن الاتجاه العام، وفق تقديرات المؤسسات المالية الكبرى، لا يزال صاعدًا على المدى المتوسط، مدعومًا بتزايد مشتريات البنوك المركزية واستمرار التحول العالمي نحو تنويع الاحتياطيات بعيدًا عن الدولار. وفي ظل هذا المشهد، يُتوقع أن يبقى الذهب العنصر الأبرز في مشهد الأصول الآمنة لعام 2025، محافظًا على بريقه في عالمٍ يتقلب بين المخاطر والتغيرات الاقتصادية المتسارعة.
المصدر: investing.com