إحدى مكونات الحضارة هي الثقافة والتي تعرف ب جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعاً بعينه أو فئة اجتماعية بعينها، وتشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة. وبما أن الطعام الخاص بكل شعب من الشعوب هو جزء لا يتجزأ من طرائق الحياة، إذن فالطعام هو جزء أصيل من حضارة الشعوب.
يعد الطعام أحد العناصر التي تؤخذ بعين الاعتبار عند اختيار السائحين وجهاتهم لقضاء الإجازة. فبعض الدول تتفوق بسمعة «هوية طعام» ممتازة. فالأطباق الشعبية هي أول ما يحب أن يجربه من ينتقل إلى بلد جديد كسائح أو مقيم. ويعد إعداد الأطعمة الشعبية مصدر دخل لا بأس به خصوصاً تلك التي تعد بصورة سريعة وقليلة التكاليف وفي مطاعم ذاتتكلفة غير باهظة التأسيس.
أما العلاقة بين الطعام والهوية فهي قديمة جديدة، فكتب التاريخ مليئة بذكر «الطعام الشعبي» لكل الأمم تقريبا، والطعام في كثير من الديانات إما جزء من طقوس دينية يمارسها أصحابها بوصفها «مقدسة»، أو موضوع أحكام تشريعية تحلل وتحرم. وعلى امتداد التاريخ كانت الأمم – تتفنن في إعداد الطعام بحيث يتجاوز الأمر سد الرمق، ليصبح نوعا من«الفن».
كما أنها توفر فرص عمل عديدة، وتفسح المجال أمام الشباب للقيام بأعمال خاصة بهم بدون تكلفة عالية، وكذلك تمكن النساء من العمل في مجال إنتاج الوجبات المحلية الشعبية حسب الحاجة في مختلف المناطق، فالكثير من التعاونيات النسوية تحافظ على التراث القديم ووصفات الجدات مثلما هو الحال في المغرب من خلال الاستمرار في انتاج الزيوتالمختلفة ومنها زيت الارجان وصناعة المفتول في فلسطين والجميد في الاردن (أنظر عدد 5، النسخة الإنجليزية من مجلة ميدل ايست بزنس).
تعميق الاختلاف في الهوية
كان من المتوقع أن يسهل انتشار وسائل الإعلام وقدرتها المتصاعدة على نقل الصورة من كل مكان في العالم وأن تزيد انصهار الشعوب ببعضها وتقربها الواحدة من الأخرى ولكن ما حصل كان مغايراً بل ومفاجئاً إلى حد ما، فمع ظهور العولمة، بدأت أمم تظهر عدم رضاها، وأبدت رد فعل معاكس بل أن الأمر وصل إلى الصراع على ملكية “رموز الهوية”ومن هذه الرموز أطباق الطعام الشعبية.
تراث ذو قيمة غير محدودة
وتتوارث الأمم طرق طهي أطعمتها وتقديمها كما تتوارث أغانيها وألبستها ولغتها وطرق معيشتها وأمثالها وفنونها الشعبية. وتختص بعض القرى والمدن الفلسطينية بأنواع من الأطعمة تتفنن بطرائق صنعها، حتى تغدوا إحدى مميزاتها التي تميزها عن باقي بقاع ومدن العالم، تقترن في أحيان كثيرة باسمها؛ فهناك الكنافة النابلسية، والملبن الخليلي، وكعكالقدس، وقطين سلواد… وغيرها.
وفي الأردن يتميز كذلك «المنسف الأردني والرشوف» بوصفتهما المميزة، وأما المغرب العربي فيتميز ب «الكسكوس»، ومصر ب «الكشري»، والسعودية ب”المندي والكبسة السعودية”، ولبنان ب “التبوله والكبة النية والمناقيش”..الخ.
فعلى سبيل المثال يعد الفلافل وجبة شعبية في مصر والسودان (وفيهما تسمى الطعمية)، والأردن وسوريا وفلسطين ولبنان، أما العراق والسعودية واليمن فيسمى ب الباجية. ويقال أن الأقباط المصريون هم من ابتكروها كأكلة تأخذ مكان اللحوم أيام الصيام، ووفقا لاجتهاد تفسيري لغوي، فإن الكلمة نفسها قبطية مكونة من ثلاثة أجزاء: «فا»، «لا»، و«فل»،وتعني: «ذات الفول الكثير». ووفقا لهذا الأصل التاريخي، انتشر الفلافل من مصر إلى العالم. ومن البديهي أن تكون هذه الرواية التاريخية – معها هذا التأويل اللغوي – موضوع جدال في محاولة لهذه الجهة أو تلك لإثبات نسب هذا القرص المدور، وهذا ما جاء في بحث قامت به مجلة « المجلة».
ولا يعني أن الأكلات الشعبية هي وجبة زهيدة الثمن ومحدودة التواجد في أحياء ذوي الدخل المحدود، بل تتواجد في الأحياء الشعبية وأحياء الطبقة الوسطى والأحياء الراقية على حد سواء، إضافة إلى كثير من الفنادق والمولات الكبيرة.
وبعد مصر، ربما يكون الأردن أكثر الدول العربية استهلاكا للفلافل أو الطعمية، قياساً بعدد السكان. وأخيراً في 2013، نشرت خريطة للعالم على موقع «دوغهاوس» مع رمز لكل دولة بما يميزها، وفيها جرت الإشارة إلى المملكة الأردنية بـ «قرص فلافل». ويصل عدد مطاعم الفلافل في عمّان نحو عشرة آلاف مطعم.
ووفقا لأرقام دائرة الإحصاءات العامة يجري استهلاك 1.1 مليار حبة فلافل في الأردن، و72.29 مليون صحن حمص وفول سنويا.
أما في فلسطين ورغم غياب الإحصائيات حول الكميات المستهلكة يومياً، فإنها حتماً لا تبتعد كثيراً عن النسبة التي يستهلكها الأردنيون قياساً بعدد السكان، فالفلافل يعد جزءاً من هوية وثقافة محلية يدافع عنها محبوها بشراسة خصوصاً وأن هناك محاولات عديدة لسرقة هذا التراث، فقد أعلنت إسرائيل أن الفلافل وجبة إسرائيلية، بل وادعت أنها أول من قامبصنعها. وبعد أن أعد طاهٍ إسرائيلي في مدينة نيويورك ما وصفه بأكبر قرص فلافل في العالم.