التحول للطاقة المتجددة يفتح المجال لتطوير اقتصاد الطاقة النظيفة إقليميًا وعالميًا
أدرك قادة العمل المناخي العالمي، أثناء اجتماعهم في دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن فعاليات الحوار الإقليمي للتغير المناخي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، اهتمامًا كبيرًا في المنطقة تجاه الحد من الانبعاثات الكربونية والسعي إلى التحول الاستراتيجي نحو مستقبل يعتمد على الطاقة المتجددة. وتعرفوا عن قرب على الإجراءات الحاسمة التي تتخذها الدول الرائدة في المنطقة، بالإضافة إلى الاستثمارات الهائلة التي تقوم هذه الدول بها في سبيل الوفاء بوعودها تجاه الحد من الانبعاثات الكربونية.
ويعد تسريع العمل المناخي ضروري لمكافحة قوى تغير المناخ، وخاصة في ظل الظروف التي يشهدها العالم من العمل المحدود في هذا المجال، والتي قد تتسبب باحتمال وقوع كارثة مناخية. وفي الوقت نفسه، يمثل العمل المناخي فرصة هائلة لتطوير اقتصاد الطاقة الخضراء المستدام الجديد، ومن أهم المواضيع التي تطرق لها معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة مبعوث دولة الإمارات الخاص للتغير المناخي في حديثة للوفود المشاركة موضوع الفرص التجارية والاقتصادية الهائلة المتوفرة في قطاع التكنولوجيا النظيفة والتنمية المستدامة.
وتنظر كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى الاستثمار في الطاقة النظيفة على أنه عنصر أساسي للتنويع الاقتصادي والتصنيع وتوفير فرص العمل استعدادًا لاقتصاد ما بعد النفط. ولهذا السبب يمثل تطوير تكنولوجيا الطاقة المتجددة والبنية التحتية والمرافق الركيزة للإستراتيجية التي يقوم عليها كل من “مشروع 300 مليار” الجديد في الإمارات العربية المتحدة واستراتيجية التصنيع الشاملة وبرنامج “صنع في السعودية” بطموحاته الوطنية والعالمية.
وتلتزم المملكة العربية السعودية بانتاج 50٪ من كمية الطاقة التي تحتاج إليها بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030. وفي سبيل بلوغ هذا الهدف، تخطط المملكة لإنفاق ما يصل إلى 50 مليار دولار لتطوير البنية التحتية الجديدة بحلول عام 2023. وتشمل استراتيجية التنمية الاقتصادية للطاقة المتجددة متطلبات للمحتوى المحلي بنسبة 30٪ بالإضافة إلى أهداف التوظيف المحلي. أعلنت محطة سكاكا للطاقة الشمسية الجديدة، القادرة على توليد طاقة 300 ميغا واط من التيار المتردد، عن تحقيق نسبة توظيف محلي بنسبة 100٪، ويمثل الشباب السعودي من منطقة الجوف 90٪ من إجمال نسبة الموظفين في المحطة.
كما تهدف استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 إلى أن تمثل الطاقة النظيفة نسبة 50٪ من إجمالي الطاقة المولدة في الدولة بحلول عام 2050. ومن شأن ذلك أن يقلل من البصمة الكربونية لعملية توليد الطاقة بنسبة 70٪، لتحقق بذلك توفير في التكاليف يعادل 190 مليار دولار. وتشمل الاستراتيجية أكبر محطتين للطاقة الشمسية في موقع واحد في العالم يجري تطويرهما حالياً في أبوظبي ودبي. وستساهم هاتان المحطتان في تنمية الاقتصاد الأخضر لدولة الإمارات العربية المتحدة مع تعزيز فرص العمل وزيادتها، ودعم الاستثمار في البحث والتطوير في مجال الطاقة المتجددة.
كما تمتلك دولٌ أخرى بما فيها مثل مصر وسلطنة عُمان إمكانات إضافية تقود استراتيجيتها المتعلقة بالطاقة المتجددة. ومن المتوقع أن يتضاعف الطلب على الطاقة في مصر إلى أكثر من الضعفين في السنوات العشر القادمة، بينما من المتوقع أن يزداد الطلب على الطاقة في عُمان بأكثر من 50٪ بحلول عام 2023. وقد وضع كلا البلدين أهدافاً واضحة وجريئة للطاقة المتجددة لتلبية هذه الحاجة المتزايدة، إذ تخطط عُمان إلى أن تشكل الطاقة المتجددة 30٪ من مزيج إنتاجها من الطاقة بحلول عام 2030، فيما تخطط مصر لتوليد 42٪ من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة مع حلول عام 2035.
وعند السؤال عن مصادر كل هذه الطاقة المتجددة، تأتي الإجابة بأن الجزء الأكبر منها سيكون من الشمس وتقنيات حلول الطاقة الشمسية المتقدمة.
تمثل الطاقة الشمسية اليوم 94٪ من الإنتاج الحالي للطاقة المتجددة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، ويأتي القدر الأكبر من الطاقة من مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية الكبيرة على مستوى المرافق الخدمية. تمثل الطاقة الشمسية أيضاً 91٪ من توليد الطاقة المحتمل في دول مجلس التعاون الخليجي، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) “تحليل سوق الطاقة المتجددة: دول مجلس التعاون الخليجي 2019”.
وهناك أسباب عديدة تفرض هيمنة الطاقة الشمسية على مزيج الطاقة المتجددة في جميع أنحاء المنطقة. ويقع الانخفاض الكبير في تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية في صدارة هذه الأسباب، إذ انخفضت تكلفة كل كيلوواط / ساعة من 0.5 دولار إلى 0.135 دولار في السنوات الخمس الماضية فقط. وهذا يمثل انخفاضاً بنسبة 75٪ تقريباً في تكاليف إنتاج الطاقة.
ويرتبط هذا الانخفاض السريع بالتكلفة ارتباطاً مباشراً بزيادة تصنيفات كفاءة محطات الطاقة الشمسية الجديدة. يأتي ذلك من الابتكار في زيادة كفاءة الطاقة لكل قدم مربعة للوحدات الشمسية، وأنظمة التتبع الذكية والديناميكية المتصلة بشبكة الذكاء الاصطناعي، والعمليات الرقمية وبرامج الصيانة، والقدرة على التقاط الطاقة وتخزينها ونقلها بفعالية أعلى، وتطور حلول التنظيف الروبوتية. ونتيجة لذلك، تعمل محطات الطاقة الشمسية الجديدة بمعدل كفاءة يصل إلى 99٪.
ويعد التشغيل الذكي لمحطات الطاقة الشمسية من العوامل المساهمة في ريادة كفاءتها، إذ تستخدم الألواح الشمسية ثنائية الوجه، وهي الألواح ذات الوجهين التي تجمع ضوء الشمس من كلا الجانبين بدلاً من جانب واحد، إلى جانب اعتماد برنامج جديد يدمج الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. ويمكن للألواح من خلال ذلك جمع مقدار أكبر من الطاقة باستخدام حلول تتدارك مشاكل تشتت الضوء وزيادة الظلال والتي من شأنها أن تقلل من إنتاج الطاقة.
ويعد ذلك ركيزة أساسية لتحسين أداء محطات الطاقة الشمسية وكفاءتها في دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لا شك أن هذه منطقة تنعم بأشعة الشمس الوافرة، والتي من الواضح أنها ميزة للطاقة الشمسية. لكنها أيضاً منطقة يتم فيها تطوير محطات الطاقة الشمسية في ظروف صحراوية غالباً. تلتقط الألواح ثنائية الوجه ضوء الشمس المباشر من جانب وضوء الشمس المنعكس من الجانب الآخر. كما يستخدم برنامج التتبع القائم على الذكاء الاصطناعي وأدوات التعلم الآلي لاستخراج المزيد من الطاقة من النظام، الأمر الذي يزيد من التقاط ضوء الشمس.
وأظهرت الأبحاث أن الجمع بين هذه التقنيات، إلى جانب التقدم في تكنولوجيا التشغيل والصيانة بالإضافة إلى التنظيف الآلي، يسمح بإنتاج طاقة أكثر بمقدار يصل إلى 30٪ في المتوسط بالمقارنة مع الوحدات الكهروضوئية أحادية اللوحة غير المتحركة مع معدل انخفاض قدره 16٪ في تكاليف إنتاج الطاقة.
وتمتلك ديناميكية السوق المزدوجة تأثيراً مباشراً على خفض تكلفة رأس المال المطلوب لبناء محطات الطاقة الشمسية. كما أن تكاليف التشغيل والصيانة المنخفضة تمنح المالكين والمشغلين ثقة أكبر بكثير في عائد الاستثمار على مدى 25 سنة.
بحلول عام 2030، وبناءً على الالتزامات الوطنية وخطط المشاريع الحالية، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تسير على الطريق الصحيح لتوفير استهلاك ما يعادل 354 مليون برميل من النفط عن طريق الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. ويمثل ذلك انخفاضاً بنسبة 23٪ في استهلاك النفط، يصاحبه توفير أكثر من 220 ألف فرصة عمل. كما أنه سيقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في قطاع الطاقة بنسبة 22٪ مع خفض سحب المياه في قطاع الطاقة بنسبة 17٪.