الحياة بعد جائحة كوفيد: التعافي البيئي
أدت جائحة كوفيد-19 إلى آثار ضخمة على سلاسل الإمداد العالمية، حيث تأثر العرض والطلب وقوة العمل في نفس الوقت وعلى المستوى العالمي – وذلك للمرة الأولى في تاريخ الصناعة المعاصر. إلا أن الضغط الذي فرضته ظروف الجائحة على البني التحتية الصناعية عالميًا سلّط الضوء على عدد من جوانب القصور الحاد.
وخلال الأزمة الراهنة، وبسبب التدابير الصارمة للحجر الصحي والإغلاقات، شهدنا كذلك العديد من التغيرات الإيجابية من مختلف أنحاء العالم – ومنها تحسن الظروف البيئية كانخفاض مستوى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وانبعاث غازات الدفيئة واستنزاف طبقة الأوزون. وعلى الصعيد العالمي، كانت المرة الوحيدة التي انخفضت فيها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال العشرين عامًا الماضية هي فترات التباطؤ الاقتصادي كالأزمة المالية في العام 2008 أو في ظل القيود التي فرضت العام الماضي بسبب جائحة كوفيد-19: فقد انخفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالميًا بواقع 8.8% (-1,551 طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون) في النصف الأول من العام 2020 مقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2019.
ومن ناحية أخرى، شهد العالم ارتفاعًا في استهلاك البلاستيك المعدّ للاستخدام مرة واحدة، وهو مادة تسبب أضرارًا كبيرة للبيئة والتنوع الحيوي.
لا جدال في الجانب العلمي هنا. فإن أردنا الإبقاء على الاحتباس الحراري ضمن نسب لا تتجاوز +2 درجة مئوية مع انتهاء القرن، مقارنة بالحقبة السابقة للثورة الصناعية، فلا بد من تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة حول العالم بنسبة 61% بحلول العام 2050. وللمساعدة في تحقيق ذلك، علينا العمل على الابتكار والسعي للمساعدة في تخفيض انبعاث غازات الدفيئة من أنشطتنا – أو القضاء على تلك الانبعاثات تمامًا. وإن كان هناك ما تعلمناه من الجائحة، فهو الحاجة الملحة للابتكار والتضامن والإبداع فيما يتعلق بالاستدامة.
بدء التعافي البيئي
شكّلت جائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية العالمية مناسبة فريدة جعلت من النماذج الاقتصادية والاجتماعية أكثر مرونة وقدرة على الصمود. ومن هذا المنطلق، ستركز الحكومات والاقتصاديات جهودها واستراتيجياتها للنمو على التنمية المستدامة والتعافي البيئي أكثر من أي وقت مضى – وهو أمر لا يعني إقامة اقتصاد جديد من الصفر، بل يتضمن استخدام الأدوات المتوفرة والخبرات المتاحة.
وتمثل لحظة التعافي تلك فرصة لإعادة التفكير في مجتمعنا وتطوير نموذج جديد للنمو يتسم بكونه أكثر شمولية ومرونة ورقمية. فقد تبيّن أن التحول الرقمي عامل رئيسي في تعزيز المرونة لمعظم المؤسسات، كما أن الانتقال إلى اقتصاد ذي مناخ محايد وحماية التنوع الحيوي والانتقال إلى الأنظمة الغذائية الزراعية جميعها عوامل يمكنها توفير الوظائف وتحقيق النمو والمساهمة في بناء مجتمعات أكثر صمودًا تقوم على نهج اقتصادي عالمي دوراني.
عملت مجموعة فيوليا على تسريع جهودها لتنفيذ المشروع المؤسسي “إمباكت 2023” الذي يتبع مسارًا واضحًا وطموحًا يقوم على الالتزام بترك الأثر الإيجابي على الكوكب وعلى كافة المعنيين. وبفضل نتائج تلك الجهود وإعادة التركيز في السنوات القليلة الماضية، اكتسبت فيوليا القوة والثقة اللازمين لرفع مستوى أهدافها من خلال طموحات مدروسة بعناية لتكون رائدة التحول البيئي.
فقد كرست الشركة الفرنسية ذات العمليات العالمية خطط استمرارية الأعمال لضمان استمرار أنشطتها وخدماتها الحيوية التي تركز بشكل أساسي على إنتاج وتوفير مياه الشرب ومعالجة المياه العادمة وحماية عمليات جمع النفايات والحفاظ على أنشطة إدارة الطاقة في شبكات التبريد وإجراء الخدمات الصناعية في الموقع لضمان استمرار تشغيل والصناعات وأنشطتها ومعالجة النفايات الخطرة وغيرها – وجميعها بالغة الأهمية للعمليات الصناعية الحيوية.
وبالإضافة لما سبق، ساعدت فيوليا كذلك في التخفيف من الطوارئ المناخية عبر مختلف المشاريع المبتكرة، ومنها إنتاج الطاقة المتجددة من خلال تحويل الغاز الحيوي إلى كهرباء ومن خلال تركيب ألواح الطاقة الشمسية. لدينا في الوقت الحالي عدد من مشاريع الطاقة المتجددة الجارية في دبي وعجمان وأبوظبي، كما أن تطوير ثقافة إعادة التدوير جانب أساسي من مهمة فيوليا في ظل التركيز على الاقتصاد الدوراني.
كما تدعم فيوليا التكيّف مع حالات الطوارئ المناخية وآثارها على المدن والصناعات من خلال تطبيق الحلول المناسبة، كتحديد مخاطر الضغط المائي وإعادة تدوير المياه لتقليل الضغط على الموارد. وبفضل تطبيق الاستراتيجيات المناسبة لتحلية المياه وإعادة استخدامها، تساهم فيوليا في توفير مياه الشرب لأكثر من مليون شخص في المنطقة.
وعبر تشغيل أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي في عجمان وأبوظبي والعين، تضمن فيوليا الشرق الأوسط سلامة ما يزيد على 2.8 شخص من السكان المرتبطين بشبكة الصرف الصحي، فيما تساعد الإدارة المثلى لأنظمة الصرف الصحي في الحفاظ على البيئة الطبيعية والتنوع الحيوي.
الأمن الغذائي: تحدٍ يدعو لتطبيق استراتيجيات صديقة للبيئة
تواجه الزراعة في دولة الإمارات العديد من التحديات، كندرة المياه ودرجات الحرارة المرتفعة للغاية والنمو السكاني والزحف العمراني المستمر والتنمية الصناعية وندرة الأراضي الصالحة للزراعة. وعلى الرغم من تلك المشاكل، تواصل دولة الإمارات الازدهار برغم تنامي احتياجات السكان التي يحتاج دعمها إلى إمدادات غذائية مستمرة.
وتحتوي المنطقة على كافة الموارد اللازمة لمواجهة تلك التحديات والتغلب عليها. على سبيل المثال، هناك إمكانات غير مستغلة لإعادة استخدام المياه المعالجة التي تعتبر مصدرًا لا تستفيد منه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالشكل الكافي – إذ تقول بيانات معهد الموارد المائية WRI أن 82% منها لا يعاد استخدامه. يمكن لتلك المياه توفير مصدر مجدٍ للماء النظيف الذي يعدّ أساس برامج الأمن الغذائي في المنطقة. ولحماية الموارد المائية، تعمل فيوليا على تطوير حلول الري بإعادة تدوير المياه المعالجة، وطوّرت حلولًا مبتكرة تقوم على “إعادة الاستخدام الذكي.” ويتيح هذا الأسلوب إعادة استخدام مياه الصرف الصحي للأغراض الزراعية بشكل يحافظ على العناصر الغذائية في التربة كالنيتروجين والفسفور أو البوتاسيوم، وبالتالي يقلل الحاجة لاستخدام الأسمدة الكيماوية.
يتعرض ثلث الغذاء تقريبًا للهدر حول العالم، وتقدّر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي IPCC أن هدر الغذاء يساهم بحوالي 10% من إجمالي انبعاثات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية بين عامي 2010 – 2016. وهنا تلعب شركات إدارة النفايات، مثل فيوليا، دورًا هامًا في المساعدة بالتخفيف من تلك المشكلة وآثارها.
يمكن لفيوليا استخدام الرسوبيات والنفايات العضوية لإنتاج الأسمدة والمضافات العضوية التي تستكمل حلقة الاقتصاد الدوراني. وبفضل خبرتنا في التعامل مع المياه والنفايات، يمكننا تحويل النفايات الحيوية إلى أسمدة عضوية وإعادة تدوير رسوبيات ماء الصرف الصحي إلى سماد عضوي.
إيجاد حلقة صديقة للبيئة في استخدام البلاستيك بالإمارات
تستخدم في أبوظبي ودبي أكثر من 900 ألف طن متري من راتنج البلاستيك سنويًا، حيث تمثل صناعة الأغلفة والعبوات الاستهلاكية 45% من إجمالي البلاستيك المستخدم بدولة الإمارات. ويمثل هذا الرقم مشكلة ضخمة إذ أن معظم المواد البلاستيكية لا تتحلل بل ينتهي بها الأمر في البحار والمحيطات ليستغرق تحللها مئات السنين.
وعبر تحسين الالتزام تجاه التنمية المستدامة في دولة الإمارات وفي منطقة الشرق الأوسط ككل، تلعب فيوليا دورًا فعالًا في تعزيز الوعي لدى الأجيال الحالية والمستقبلية حول التحديات البيئة كانخفاض كميات المياه التي تنتجها المنطقة ونشر مفهوم إعادة التدوير الذي يعتبر أساسًا هامًا للاقتصاد الدوراني. فالبعض يرى المشكلة ولكن فيوليا ترى الموارد والمشاريع المميزة التي يمكن تحقيقها من معالجة النفايات.
كما يمكن إطلاق المبادرات لمساعدة السكان على التقليل من النفايات وتشجيع الناس على فصل النفايات لتسهيل إعادة تدويرها. ولدعم هذا النهج، أطلقت فيوليا في أبوظبي أول خدمة رقمية مجانية في الإمارات لجمع المواد القابلة للتدوير وتحفيز السلوك المسؤول، وهي خدمة “ريكاب”. فالتطبيق يقدم خدمة مجانية عند الطلب لاستلام المواد القابلة لإعادة التدوير، كالعبوات البلاستيكية والعلب المعدنية.
وسيتم تنفيذ العديد من المبادرات المتعلقة بإعادة تدوير البلاستيك لإيجاد منظومة دورانية تساعد في تمهيد الطريق نحو مزيد من التدوير في المنطقة. فنحن نسعى لجعل التدوير أكثر سهولة وتوفرًا عبر توفير مجموعة متنوعة من أنظمة وطرق جمع المواد.
تحقيق الاستدامة طويلة الأمد في فترات الغموض
يتمتع الاقتصاد الدوراني بالقدرة على مواجهة التحديات التي تعاني منها المنطقة والعالم بأسره في قطاعات النفايات والطاقة والمياه. وتعدّ حلول إيجاد حلقات متكاملة من الموارد وتعزيز الأمن الغذائي مجرد أمثلة على مساهمة فيوليا في مستقبل أفضل.
ولا نكتفي في فيوليا الشرق الأوسط بالمساهمة في تعزيز كفاءة استخدام الموارد بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل نسعى إلى اكتشاف ومساعدة البنية التحتية العامة والصناعات المحلية في إيجاد منظومات مستدامة ومكتفية ذاتيًا. كما نعمل على القيام بدور فعال كشريك رئيسي في المنطقة للمساعدة في تعزيز التعافي البيئي عبر مساعدة العملاء في تبني أسلوب حياة أكثر استدامة.
وإلى جانب مساعدتك في اجتياز الأزمة التالية، تساعد العمليات الدورانية الشركات والمؤسسات في الصمود خلال الأزمة الراهنة – فالشركات بحاجة لمواصلة التركيز على أهداف الاستدامة طويلة الأمد والاستفادة بشكل أفضل من السلع والموارد المتاحة لتحقيق الإيرادات. ولهذا فإن إدامة العمليات التشغيلية إلى جانب التكيف مع طلب المستهلكين عامل أساسي في رفع قدرة الأعمال على الصمود في وجه الأزمات.