خواطر تعليمية: هل وقعنا بالفخ ؟
د. سائدة عفونة
عميد كلية العلوم التربوية
ومديرة مركز التعليم الإلكتروني
جامعة النجاح الوطنية
استمتعت كثيراً في إجازاتي القليلة التي أحصل عليها وهي دائماً إما أيام الجمع أو العطل الرسمية. حلمت كثيراً بعطلة مريحة أستطيع أنأقضي وقتاً ممتعاً مع عائلتي، تحقق الحلم جزئياً وعملت من البيت في ظل الطوارئ، وأصبحنا جميعا أسرة متزاحمه ما بين العمل عن بعد والتعلم الكترونياً . فمارسنا الصمت أحياناً خوفاً من دخول محاضرات بعضنا البعض أو اجتماعات الآخر. حافظنا على خصوصية بعضنا ولكن لم يخل الأمر من مواقف ظريفة وأخرى محرجة. تجربة مثيرة للإهتمام استوقفتني وتساءلت إن كنت أرغب بأن تصبح حياتي جميعها تعلم وتعليم وعمل من البيت.
سارعت لرفض الفكرة دون تردد على الرغم من رغبتي أن يكون لدي الحرية لفعل ذلك ولو مرة أسبوعياً. وأن أعلم الكترونيا بشكل مدمج وجزئي، فقد اشتقت لزملائي وزميلاتي وقهوة الصباح معهم، والتواصل الفعال الوجاهي مع طلبتي واشتقت لرائحة الصباح في حديقة جامعتي والتزاحم في الشوارع أمام مدرسة أولادي. ولهفة اللقاء مع أسرتي مساء بعد يوم شاق طويل وتجاذب أطراف الحديث كل عن مجريات يومه.
سنتذكر الحجر من الكورونا بعد عدة سنوات على أنها فرصة لإعادة تشكيل قيم الأسر الفلسطينية في كيفية النظر لأبنائنا وقضاء وقت جميل معهم وتفحص صورهم وسرد ذكرياتهم وترنيم أغانيهم المفضلة، ورؤية الجوانب الإيجابية في شركائنا، وقضاء بعض الوقت في ممارسة الرياضة البيتية الخفيفة، والصمت الإيجابي، ومشاهدة الأفلام العالمية وتوظيف التكنولوجيا إيجابياً والتعاون في البيت. ومما يخشى أن يحدث في هذه الفترة أن ننهمك في المحادثات الالكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تعويضا لغياب التواصل الوجاهي، وأن نغرق في المطبخ الفلسطيني وأكلاته الشهية مما قد يؤثر سلبًا على صحتنا، ونخرج من هذه الأزمة أصحاء من الكورونا، ولكن نعاني من حالة من السمنة الكورونية.
وفي مسح سريع ل 100 أكاديمي حول عدد ساعات العمل من البيت التي يقوموا بها حاليا تبين أن هنالك إرتفاع ملحوظ يضاهي ثلاثة أضعاف ساعات العمل في الأيام العادية،وقد أشار لذلك 90% منهم. وأتطلع لذلك بمنظوريين الأول يشير إلى استغلال الأكاديميين لوقت فراغهم بالعمل وهذا شيء إيجابي، وآخر يشير إلى زيادة أعباء العمل من البيت لتحقيق متطلبات التعلم الإلكتروني وهذا قد يشكل حالة تحول في الانتماء الوظيفي عند العودة، وربما يساهم في تحقيق جودة أعلى في التعليم والعمل.
وفي مراجعة لتأثير جائحة الكورونا على التعليم ، فقد بلغ عدد الطلبة المتضررين عالمياً من الجائحة 1,576,021,818 حسب إحصائيات اليونسكو( 2020) حيث يوجد 188 إغلاق في أنحاء العالم. مما شكل حالة حرمان في حق الأطفال في التعليم لأكثر من 89% منهم مما استدعى الحكومات لتوظيف التكنولوجيا في التعلم، وإطلاق منصات التعلم الالكتروني والتواصل عن بعد وقد أدى ذلك لخلق حالة من التعلم المستمر بين المعلمين والمتعلمين والآباء والأمهات، فأصبح الجميع يتعلم سوياً، وأصبحث شبكات التواصل الاجتماعي تذخر بالمجموعات التعليمية والمحادثات التثقيفية الصحية، والإرشادات التعقيمية.
وحتى لا نقع بالفخ عند العودة فإن التوازن والاختيار الواعي هو سيد الموقف، فالتعلم عن بعد والعمل من البيت يوصى بأن يكون جزء من نظامنا التعليمي والمؤسساتي، وأن لا ننتظر أزمة أخرى لنهرع لهذه الحلول ونصطدم بما يبكي ويضحك منها في آن واحد.
دمتم بخير وأمان ولعل الخيرقادم من بعيد من وسط ظلام ظاهري،علينا فقط إزاحة الستار لنراه بأعين المحبة، واستضاءة الضمير.