سوريا: تفاقم الانكماش في معدلات النمو وتدهور رفاه الأسر السورية
البنك الدولي: أظهر تقريران جديدان للبنك الدولي صدرا اليوم أن الصراع في سوريا المستمر منذ أكثر من 10 سنوات ــ والذي ازداد حدةً بفعل الصدمات الخارجية ــ قد أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي المتردي بالفعل في عام 2023، كما أدى إلى تدهور كبير في رفاه الأسر السورية. وقد أدى استمرار النقص في التمويل ومحدودية المساعدات الإنسانية إلى زيادة استنزاف قدرة الأسر على تأمين احتياجاتها الأساسية وسط ارتفاع الأسعار، وتراجع الخدمات الأساسية، وزيادة معدلات البطالة.
ويتناول تقرير “المرصد الاقتصادي لسوريا، ربيع 2024: الصراع والأزمات وانهيار رفاه الأسر” السمات الرئيسية لسياسات الاقتصاد الكلي في سوريا ويضعها في سياق الصراع الدائر داخل سوريا وفي المنطقة بأسرها. ويعرض القسم الخاص من التقرير النتائج التي خلص إليها تقرير حول الفقر بعنوان “رفاه الأسر السورية بعد عقد من الصراع” الذي يقدم تقييماً لبعض تداعيات الصراع في سوريا على مستويات الرفاه، ويسلط الضوء على التغيرات في عدد من نواتج الرفاه بين فترة ما قبل الصراع (2000-2010)، وصيف عام 2022، عندما تم إجراء أحدث مسح على المستوى الوطني في إطار برنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية.
استمر الوضع الاقتصادي في سوريا في التدهور في عام 2023. وتراجع النشاط الاقتصادي، كما يتضح من انبعاثات الأضواء الليلية، بنسبة 1.2% على أساس سنوي، وخاصة على طول الحدود الغربية لسوريا، ويعود ذلك جزئياً إلى ضعف النشاط التجاري. وتظهر بيانات إحراق الغاز ليلاً أيضاً انخفاضاً بنسبة 5.5% على أساس سنوي في إنتاج النفط، ويعود ذلك جزئياً إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بسبب الزلازل والصراعات. وعلى الرغم من التحسن الذي شهده الإنتاج الزراعي بسبب تحسن الأحوال الجوية في عام 2023 (من أدنى مستوى تاريخي تقريباً في عام 2022)، فقد أثر الصراع بشدة على قطاع الزراعة مع نزوح أعداد هائلة من المزارعين و الأضرار الواسعة النطاق التي لحقت بالبنية التحتية وشبكات الري، مما أدى إلى انخفاض في المحاصيل. كما أثرت الاضطرابات المرتبطة بالصراع تأثيراً شديداً على التجارة الخارجية. وأدى انهيار الإنتاج الصناعي والزراعي المحلي إلى زيادة اعتماد سوريا على الواردات. كما زاد الاعتماد على الواردات الغذائية مع نشوب الصراع، وإن كان ذلك قائماً قبل عام 2011. وفي عام 2023، انخفضت قيمة الليرة السورية انخفاضاً كبيراً بنسبة 141% مقابل الدولار الأمريكي، وفي الوقت نفسه تشير التقديرات إلى أن تضخم أسعار المستهلكين ارتفع بنسبة 93%، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب خفض الدعم الذي تقدمه الحكومة. ومع تباطؤ الاقتصاد، لا تزال إيرادات المالية العامة تسجل تراجعاً. واستجابة لذلك، خفضت السلطات الإنفاق بشكل أكبر، لا سيما في ما يتعلق بالإنفاق الرأسمالي، مع الضبط الشديد لبرامج الدعم.
وتعليقاً على ذلك، قال جان كريستوف كاريه، المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي: “شهدت سوريا صدمات متعددة ومتداخلة في عام 2023 مع زلزال شباط/ فبراير والآثار غير المباشرة للصراع الدائر في الشرق الأوسط. وبعد مرور أكثر من عقد من الزمان على الصراع الأكثر دمويةً في هذا القرن، تراجعت بشدة قدرة سوريا على استيعاب الصدمات الاقتصادية الخارجية، لاسيما مع الانخفاض الأخير في تدفق المعونات وصعوبة الحصول على المساعدات الإنسانية واشتداد التوترات الجيوسياسية الإقليمية”.
ويتوقع عدد ربيع 2024 من تقرير المرصد الاقتصادي لسوريا أن يستمر الانكماش الاقتصادي، الذي طال أمده، في عام 2024. ومع تعرض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لحالة غير مسبوقة من عدم اليقين، فمن المتوقع أن ينكمش بنسبة 1.5% في عام 2024، إضافة إلى التراجع الذي بلغ 1.2% في 2023. ومن المتوقع أن يبقى الاستهلاك الخاص، وهو عجلة النمو الرئيسية، في تراجع مع استمرار تآكل القوة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار. كما يتوقع أن يستمر ضعف الاستثمار الخاص في ظل عدم استقرار الوضع الأمني والضبابية في المشهد الاقتصادي و على مستوى السياسات. ومن المتوقع أن يبقى التضخم مرتفعاً في عام 2024 بسبب الآثار الناجمة عن انخفاض قيمة العملة، فضلاً عن العجز المستمر في أرصدة العملات الأجنبية، واحتمال إجراء مزيد من الخفض في دعم الغذاء والوقود (المحروقات). وتشير موازنة عام 2024 إلى استمرار خفض الدعم للسلع الأساسية.
ويعرض القسم الخاص من التقرير لمحة سريعة عن النتائج الرئيسية لتقرير رفاه الأسر السورية، ففي عام 2022، طال الفقر 69% من السكان، أي نحو 14.5 مليون سوري. وعلى الرغم من عدم وجود الفقر المدقع فعلياً قبل اندلاع الصراع، لكنه طال أكثر من واحد من كل أربعة سوريين في عام 2022، وربما زاد حدة وشدة بسبب الآثار المدمرة لزلزال فبراير/شباط 2023. وقد ساهمت عدة عوامل خارجية، لا سيما الأزمة المالية في لبنان عام 2019، وجائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، في زيادة تراجع رفاه الأسر السورية في السنوات الأخيرة.
ووفقا للتقرير، فإن للفقر في سوريا دلالة مكانية قوية. فأكثر من 50% من الفئات الأشد فقراً يعيشون في ثلاث محافظات فقط (حلب وحماة ودير الزور)، وتسجل المحافظات في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا أعلى معدل لانتشار الفقر. أما الأسر التي تعيلها نساء والأسر النازحة داخلياً، فهي الأكثر عرضةً لمخاطر الفقر.
ويشدد التقرير أيضاً على أن التحويلات المالية تمثل شريان حياة بالغ الأهمية للأسر السورية. ويرتبط إرسال التحويلات من الخارج بانخفاض معدلات الفقر المدقع على نحو يقدر بـ 12 نقطة مئوية وانخفاض في معدلات الفقر يقدر بـ 8 نقاط مئوية.