كيف تلعب بيانات الوظائف الأمريكية دورًا في حركة السوق؟
كُتب بواسطة: رانيا جول محلل أول لأسواق المال في XS.com
تشهد أسعار النفط الخام (WTI) هذا الأسبوع ارتفاعًا ملحوظًا وتتداول بالقرب من 74.20 دولار للبرميل خلال تعاملات اليوم الجمعة، في ظل التصعيد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، حيث حققت الأسعار أكثر من 8% من المكاسب منذ افتتاح الأسبوع. ذلك مع استمرار التوترات بين أطراف الصراع في الشرق الأوسط، وعدم وجود أي بوادر على تهدئة، ويبدو لي أن المستثمرين يعيدون تسعير المخاطرة في السوق بشكل مستمر.
ومن وجهة نظري يتمثل العامل الرئيسي الذي يغذي هذه المخاوف في الأخبار المتداولة بأن هناك مساعي للحصول على الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكيةلاستهداف منشآت النفط في إيران، وهو ما يضع المزيد من الضغط على أسعار النفط ويجعل احتمال وقوع صراع إقليمي أوسع قابلاً للتوقع.
وبرأيي، يعد التوتر الإقليمي أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر بشكل مباشر على تسعير النفط. فالأحداث المحتدمة مؤخراً في الشرق الأوسط، تزيد من المخاوف حول تعطل الإمدادات العالمية. ومثل هذا السيناريو يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل حاد، لا سيما إذا تم استهداف مضيق هرمز، الذي يعتبر شريانًا حيويًا لتدفقات النفط العالمية. وفي حال تطور الوضع إلى صراع مفتوح، فمن المحتمل أن يتجاوز سعر النفط حاجز الـ100 دولار للبرميل في المدى المتوسط.
وفي الوقت نفسه، تتجه الأنظار نحو بيانات الوظائف غير الزراعية الأميركية التي صدرت أعلى من المتوقع، مما أضاف دعمًا لمؤشر الدولار الأمريكي (DXY) الذي استمر في التداول بشكل مستقر خلال هذا الأسبوع. وهذا الارتفاع في بيانات الوظائف، يعكس قوة في سوق العمل الأميركية، ويعزز احتمالية استمرار الدولار في مساره الصعودي.
ومن وجهة نظري، فإن قوة الدولار قد تضيف ضغطًا سلبياً على أسعار النفط، حيث أن العلاقة العكسية بين الدولار وأسعار النفط معروفة في الأسواق. فعندما يرتفع الدولار، تصبح السلع المقومة بالدولار أكثر تكلفة لحاملي العملات الأخرى، مما قد يقلل الطلب عليها ويدفع الأسعار للانخفاض.
ومع ذلك، تبدو لي حالة النفط مختلفة في هذه المرحلة؛ فالتوترات الجيوسياسية تلعب دورًا أكبر في توجيه تحركات الأسعار مقارنة بتأثيرات الدولار في الوقت الحالي. ورغم استقرار الدولار عند مستويات مرتفعة، يبقى النفط مستمرًا في الارتفاع، مما يعكس أهمية العوامل الجيوسياسية. وإذا تواصلت هذه التوترات وتصاعدت إلى صراع أكبر، فقد نجد أن أسعار النفط تستمر في الصعود رغم قوة الدولار.
كما أن أحد المؤشرات الرئيسية الأخرى التي يجب مراقبتها هو تقرير شركة بيكر هيوز عن عدد منصات الحفر النفطية، الذي من المقرر صدوره في وقت لاحق من اليوم. وهذا التقرير يوفر صورة واضحة عن النشاط في صناعة النفط الأميركية، ويمكن أن يؤثر بشكل مباشر على التوقعات المتعلقة بالإنتاج. فإذا أظهر التقرير ارتفاعًا في عدد المنصات، فقد يفسر ذلك على أنه مؤشر لزيادة الإنتاج المستقبلي، مما قد يخفف من تأثير التوترات الجيوسياسية على المدى القصير. ومع ذلك، في حال استمرار التوترات في الشرق الأوسط وتزايد خطر تعطل الإمدادات من تلك المنطقة، فمن غير المرجح أن يكون أي ارتفاع في الإنتاج الأميركي كافيًا لتعويض النقص المتوقع.
وبالإضافة إلى المخاوف الجيوسياسية، يجب الانتباه أيضًا إلى تأثيرات هذه التطورات على أسعار البنزين عالميًا. حيث أن هناك تأثيرات جانبية مباشرة على أسعار البنزين نتيجة للتفكير في ضرب حقول النفط الإيرانية. ومع تزايد الحديث عن تعطيل الإمدادات النفطية، قد نشهد زيادة في أسعار البنزين، مما قد يؤثر بشكل مباشر على المستهلكين في مختلف أنحاء العالم.
ومن الواضح أن الأسواق النفطية تدخل مرحلة حساسة للغاية، حيث تجتمع فيها العوامل الجيوسياسية مع البيانات الاقتصادية لتشكيل مشهد معقد لتحركات الأسعار. من وجهة نظري، أتوقع أن تشهد الأسعار مزيدًا من التقلبات في الأيام المقبلة، خاصة مع تزايد المخاوف من توسع الصراع في الشرق الأوسط واحتمالية انخراط قوى دولية كبرى في النزاع. وفي الوقت نفسه، فإن قوة الدولار، التي قد تستمر في التأثير على الأسواق على المدى الطويل، قد تخفف من حدة الارتفاعات في حال عودة الاستقرار الجيوسياسي.
وفي النهاية أعتقد، أن يبقى مستقبل أسعار النفط معتمدًا بشكل كبير على تطورات الأحداث في الشرق الأوسط، ومدى استجابة الأسواق للبيانات الاقتصادية الأميركية. وإذا تواصلت التوترات وزادت احتمالية تعطيل الإمدادات، فإن أسعار النفط قد تتجاوز التوقعات بكثير. وفي المقابل، إذا تم التوصل إلى حل سياسي يقلل من المخاطر، فقد نرى الأسعار تستقر أو حتى تتراجع، خاصة إذا استمر الدولار في قوته بدعم من بيانات الاقتصاد الأميركي القوية.