ماذا ينتظر الامارات في ال 50عاماً القادمة
بقلم فيل مالم، الرئيس التنفيذي لشركة سيركو الشرق الأوسط
شهدنا خلال العشرين عاماً الماضية تطوير العديد من القطاعات في الإمارات بشكل سريع وواسع، تمهيداً لتحويل الدولة إلى مركز عالمي يحتضن جميع الأعمال والشركات الجديدة من جميع أنحاء العالم، والتي فتحت مكاتبها على الأراضي الإماراتية وساهمت بتعزيز الاقتصاد والقطاعات الأخرى مثل السياحة والنقل والبناء وغيرها.
وتتخطى فوائد مفهوم تعهيد الخدمات حدود تقليل التكاليف وبناء مشاريع فعالة إلى مجالات أوسع تتعلق بالخبرات الغنية التي تأتي بها الشركات من جميع أنحاء العالم. وكشف تقرير أصدره معهد سيركو عن دور الاستعانة بمصادر خارجية في الحد من مخاطر إخفاق المشاريع وتعزيز مرونة الموظفين واتخاذ تدابير صارمة لضبط البيئات ورفع مستوى الأمان إضافةً إلى الاستجابة الفورية لارتفاع الطلب.
فعلى سبيل المثال، يوضح التقرير أن تقديم القطاع الخاص لخدمات التحكم الجوي يحقق نتائج جيدة في مقاييس الأداء الخاصة بالتأخير وحوادث السلامة ووفورات في التكاليف تصل إلى 75%، في حين أن إدارة المرافق الخفيفة في قطاع الرعاية الصحية تسهم بتوفير ما يصل إلى 30%.
وإليكم نظرة على ما قد تحمله الخمسون عاماً القادمة لكل من القطاعات.
خدمات المواطن المرموقة ترتقي بمستويات رضا المواطنين
أصدر معهد سيركو تقريراً هذا العام يوضح رضا 90% من المواطنين الإماراتيين والمقيمين حيال الخدمات الحكومية، في حين أعرب 85% من المشاركين عن تأثير تجربتهم مع الخدمات الحكومية على درجة رضاهم بشكل مباشر. وتسلط هذه النتائج الضوء على استراتيجية الحكومة في تحقيق رضا السكان من خلال تسهيل وصولهم إلى الخدمات، سواء كانت تتعلق بتجديد رخصة القيادة أو تقديم طلب للحصول على تصريح عمل أو غيرها من المعاملات الروتينية.
ويشير البحث كذلك إلى رغبة الناس في الحصول على خدمات أكثر تخصيصاً، وتطبيق أوسع للوسائل الرقمية، وتوحيد أكبر للمنصات الخدمية، كإمكانية الوصول إلى خدمات متعددة عن طريق تطبيق أو موقع إلكتروني أو مكان واحد، على الرغم من رضاهم عن الجودة الحالية للخدمات الحكومية في الإمارات.
ونتوقع أن يشهد مستقبل هذه الخدمات تعزيز أطر التعاون بين الحكومة الإماراتية والقطاع الخاص من أجل الاستفادة من حلول التكنولوجيا والأتمتة والذكاء الاصطناعي التي تساهم في توفير جميع الخدمات في مكان واحد لتلبية ازدياد الطلب عليها، بما في ذلك الخدمات والتطبيقات والوثائق والموافقات وغيرها الكثير. وتأتي هذه الجهود انسجاماً مع تصريح سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، الذي أعلن من خلاله تحول حكومة دبي إلى أول حكومة إلكترونية في العالم، مما يرسخ مكانة الإمارة في طليعة الدول القائمة على التكنولوجيا ويسهم بتوفير أكثر من 1.3 مليار درهم إماراتي تُهدر على المعاملات الورقية.
إدارة الأصول والبيانات
لا يستوفي أداء معظم المؤسسات في الشرق الأوسط المعايير العالمية لإدارة الأصول، حيث تدير 80% من المؤسسات أصولها عن طريق اعتماد الصيانة بعد وقوع الأعطال بدلاً من التخطيط لها مسبقاً، مما يؤدي إلى الإخفاق في استيفاء المعايير أو تخطيها. ويُمكن لمقدمي خدمات إدارة الأصول المساعدة في تقليل التكاليف التشغيلية بنسبة تصل إلى 50%، وزيادة وقت العمل والتوافر بنسبة 10%، وإطالة عمر الأصول بنسبة 15%، وتقليل تكلفة المخزون بنسبة 35% من خلال استخدام مجموعة من الحلول المتكاملة.
وتُعد إدارة الأصول الرقمية الوسيلة الأمثل لإتاحة المجال لاستراتيجيات جديدة تسهم بخفض التكاليف والحد من الصيانة بعد وقوع الأعطال وإطالة أمد الدورة الاقتصادية للمؤسسات وتعزيز إنتاجيتها، مع استمرار استخدام البيانات لإيجاد الحلول المناسبة.
ويتجلى النهج الأفضل لإدارة الأصول في الاستفادة من نقاط البيانات المجمعة بأكبر صورة ممكنة والتأكد من الموقع الحالي للأصل، مقارنةً بفترة الصلاحية المتبقية لديه، لتحديد الإجراءات اللازمة، إن وُجدت، والوقت المناسب لاتخاذها. وأعتقد أن الأسواق تحمل فرصاً كبيرة للاستفادة من إدارة الأصول على المديين القصير والطويل.
الريادة في قطاع الطيران
أشار الاتحاد الدولي للنقل الجوي في ورقة بحثية نشرها مؤخراً، إلى كون قطاع الطيران، بما فيه الخطوط الجوية وسلسلة التوريد والسياح الأجانب، من أهم العوامل المساهمة في الاقتصاد الإماراتي؛ حيث يستأثر بنسبة 13.3% من الناتج الإجمالي المحلي للإمارات، أي ما يعادل 47.7 مليار دولار، كما يوفر 777 ألف فرصة عمل، ولذلك من الضروري أن تلبي الخدمات والمرافق ضمن قطاع النقل تطلعات العملاء وتتجاوزها.
ونعمل من خلال إكسبيرينس لاب، وكالة تصميم الخدمات وتجارب العملاء المتمحورة حول المستخدم، على فهم احتياجات المسافرين ومتطلباتهم ودوافعهم. ويحتاج تصميم نموذج تشغيلي يعمل على تطوير تجارب آلاف المسافرين على فهم اختلافاتهم الكثيرة وتنوع خلفياتهم الثقافية.
وتشكّل التكنولوجيا عاملاً أساسياً في تعزيز هذه التجربة على مدار الخمسين عاماً القادمة، إذ ستساعد الأتمتة والذكاء الاصطناعي وأجهزة مسح الوجه والاستخدام الفعّال للبيانات في تحليل وتتبع الإقبال في جميع المطارات على تحسين الخدمات المقدمة باستمرار. إلى جانب التركيز على مهارات الأشخاص العاملين في المطارات، حيث يكمن نجاح تجربة المسافرين في مدى إيجابية تفاعلهم مع مقدمي الخدمات. ونستخدم هذه التقنيات كداعم لتصميم الحلول القائمة على رضا المستخدمين ونتائج التدريب الذي قمنا به في مطار دبي من خلال فريق عمل إكسبيرينس لاب والذي استطاع تمكين 500 من موظفي الاستضافة من القيام بمهمتهم في استقبال ملايين الزوّار بطريقة فريدة وفق المعايير العالمية.
الخدمات عالمية المستوى في قطاع الرعاية الصحية
تتميز الإمارات بمنظومة حكومية شاملة للرعاية الصحية إلى جانب قطاع الصحة الخاص سريع النمو، الذي يوفر للمواطنين والمقيمين خدمات الرعاية الصحية وفق أعلى المعايير معتمداً على أحدث الوسائل التقنية.
وانسجاماً مع مشروع مئوية الإمارات 2071 الذي أطلقه مجلس الوزراء الإماراتي في إطار سعيه لتحويل الإمارات إلى أفضل دولة في العالم، يوفر القطاع الصحي أفضل خدمات الرعاية للمواطنين والمقيمين والزوار وفق أعلى المعايير، بالاعتماد على المرافق المميزة وأمهر الطواقم المتخصصة وأحدث التقنيات والأدوية وغيرها.
وشهد العالم في العام الماضي تفوّق الإمارات في الاستجابة الطارئة للأزمة الصحية، من خلال إطلاق برامج التعقيم في جميع أنحاء الدولة، ودعم توفير اللقاحات محلياً وعالمياً، وإنشاء نظام المرور الأخضر عن طريق تطبيق الحصن، وتجهيز المشافي وإعداد الطواقم الطبية لاحتواء انتشار فيروس كورونا. ويبرهن ذلك على تميّز الإمارات في سعيها لتكون إحدى أفضل الدول في مجال الرعاية الصحية بالاعتماد على أحدث التقنيات المتاحة في العالم.
كما تتيح هذه الخدمات جمع كل الملفات الطبية ونتائج الاختبارات والمواعيد السابقة واللاحقة والوصفات الطبية وغيرها الكثير في مكان واحد، إضافةً إلى توفير نظام متطور لمراقبة المرضى وتثقيفهم، وتشجيعهم على اتباع عادات صحية، ورفع كفاءة المستشفيات والعيادات الطبية بدعم من القطاع الخاص. ويمكن لمزودي خدمات الرعاية الصحية الاستفادة من إمكانية مراقبة البيانات وجمعها من التطبيقات الخاصة بقطاع الصحة ليقوموا بتحليلها وتوفير أفضل الخدمات والحلول للمرضى.
إعداد المهارات الوطنية للمستقبل
أطلقت الحكومة الإماراتية برنامج نافس في إطار مشاريع الخمسين الرامية إلى دعم المساعي المهنية للإماراتيين من خلال توفير 75 ألف فرصة عمل في القطاع الخاص بحلول عام 2025.
وتُعد هذه الخطوة من أهم مؤشرات تحقيق الدولة لرؤية الإمارات 2021؛ حيث نلحظ في سيركو الاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة لتدريب مواطنيها والاستثمار في تأهيلهم ضمن مختلف الميادين، فضلاً عن سنها للأحكام والقواعد الناظمة للأعمال والمهام وتوفير الحوافز التي من شانها زيادة أعداد المواطنين الإماراتيين، ممن يملكون الإمكانات والمهارات العالية، ضمن قواها العاملة؛ لا سيما في القطاع الخاص. مما شجعنا على التسجيل في البرنامج ومناقشة عملائنا الرئيسيين حول خطة زيادة القوى العاملة من المواطنين الإماراتيين.
ولطالما شكلت جهود التوطين في سيركو جزءاً جوهرياً من استراتيجيتها. ولذلك نسعى بدءاً من عام 2022 إلى توطين ما لا يقل عن نسبة 10% من المواطنين الإماراتيين في شركتنا، كما أننا نفخر بنسبة التوطين التي بلغت ما يزيد على 8% من نسبة الإشغال من المواطنين في عام 2021. وعلى الرغم من التحديات التي واجهناها خلال الأزمة الصحية، قمنا بالتركيز على التوظيف وإعطاء أهمية قصوى للتدريب من خلال القيام بـ 236 مراجعة للمواهب الإماراتية لتحديد كيفية تطوير مهارات المواطنين وصقل إمكانياتهم. ويُعتبر التدريب وتطوير المهارات من العوامل الرئيسية لنجاح استراتيجيتنا، حيث حاز موظفو شركتنا على 457 شهادة تأهيل مهني وطني و46 شهادة في المؤهلات القيادية والإدارية.
وتكتسب الخبرة العملية قيمةً كبيرةً، ومن خلال مبادراتٍ مثل برنامج سيركو للدراسات العليا، الذي يتيح للطلاب فرصة تجربة العمل في مجالات وأقسام مختلفة في الشركة على مدى ستة أسابيع، ويمكننا أن نُعمق تجربتهم ونلفت انتباههم إلى الفرص المتعددة والمتوفرة في القطاع الخاص. حيث تشرفنا بحضور 26 مواطناً ضمن برنامج فرصتي لهذا العام، وحصل برنامج الدراسات العليا الوطني الخاص بنا على عدة جوائز.
ونتوقع أن تشهد التكنولوجيا وحلول المستقبل تطورات إيجابية كبرى خلال الخمسين عاماً القادمة، حيث تركز النظرة الثاقبة لقيادتنا على الطموح الشخصي لكل فرد والتزامنا جميعاً بترسيخ مكانة الإمارات كوجهةٍ عالمية على جميع الأصعدة. وتمكننا مهاراتنا وطموحاتنا وكفاءاتنا من اتخاذ خطوات مميزة، إلى جانب تآزرنا معاً في مواجهة التحديات القادمة، مما يدعمنا لإرساء مستقبلٍ مشرق للإمارات يجعل منها وجهةً مفضلةً للإقامة والعمل والسياحة أمام الأجيال القادمة.