مستقبل أسعار النفط الخام وسط تعطل الإنتاج الأمريكي وتحديات قوة الدولار
تحليل سوق عن رانيا جول محلل أول لأسواق المال في XS.com
شهدت أسعار النفط الخام في الأسبوع الأخير تذبذبًا ملحوظًا، حيث ارتفعت خلال الساعات الماضية بحوالي 1.00% لتصل في تعاملات اليوم الخميس عند 67.40 دولار للبرميل ، بعد تحقيق مكاسب تجاوزت 1.50% يوم أمس الأربعاء. ومن وجهة نظري، يأتي هذا الارتفاع نتيجة لمزيج من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية التي تسببت في تقلبات سوق الطاقة بشكل كبير. حيث تأتي العاصفة المدارية فرانسين، التي ضربت ساحل لويزيانا في الولايات المتحدة، مما أثار مخاوف بشأن تأثيرها على إنتاج النفط الأميركي، وهو ما انعكس مباشرة على الأسعار. إضافة إلى ذلك، يلعب تقرير أوبك الأخير دورًا في هذه التحركات، رغم أن توقعات الطلب على النفط التي أصدرتها المنظمة وُصفت بأنها غير واقعية بالنظر إلى النشاط الاقتصادي الأميركي والعالمي.
وتُعد العواصف المدارية عاملًا رئيسيًا يمكن أن يربك استقرار إنتاج النفط، خاصة في مناطق مثل خليج المكسيك، الذي يمثل شريانًا هامًا لإمدادات النفط الأميركية. العاصفة المدارية فرانسين، التي وصلت إلى الفئة الثانية، أجبرت شركات النفط على إخلاء المنصات البحرية وتعطيل جزء كبير من الإنتاج. وهذه الخطوة برأيي دفعت أسعار النفط للارتفاع مع مخاوف السوق من حدوث نقص في الإمدادات. ولكن من المهم أن نلاحظ أن التأثير طويل الأمد للعواصف على الإنتاج يمكن أن يكون محدودًا، حيث تعود عمليات الإنتاج إلى مستوياتها الطبيعية بسرعة نسبيًا بعد زوال الخطر. لذلك، قد تكون هذه الارتفاعات الحالية مؤقتة إذا استقر الوضع الاقتصادي الحالي بعد مرور العاصفة.
وعلى الرغم من تأثير العاصفة، يظل تقرير أوبك الأخير محورًا هامًا في رسم ملامح سوق النفط. فقد خفضت المنظمة توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط للمرة الثانية على التوالي، مما أثار تساؤلات حول مدى واقعية هذه التوقعات في ظل النشاط الاقتصادي الأميركي القوي والتحسن التدريجي في الاقتصادات الكبرى. ومن الواضح أن هذا الخفض يعكس قلقًا متزايدًا من احتمال تباطؤ النمو الاقتصادي في مناطق رئيسية مثل أوروبا وآسيا، خاصة الصين التي تواجه ضغوطًا اقتصادية مع تباطؤ النمو الصناعي وتزايد اعتمادها على السيارات الكهربائية، مما يؤدي إلى تراجع الطلب على النفط.
وفي الوقت نفسه، ارتفع مؤشر الدولار الأميركي(DXY) واختبر النطاق العلوي لمنطقة التماسك للاتجاه العرضي الحالي، مما يعزز من جاذبيته كملاذ آمن للمستثمرين. ومن وجهة نظري، جاءت هذه القوة بعد بيانات مؤشر أسعار المستهلك الأميركي، التي أظهرت ارتفاعًا مفاجئًا في المقياس الأساسي الشهري، وهو ما استبعد خفض كبير لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي. وعادة ما تؤثر قوة الدولار سلبًا على أسعار النفط، إذ يصبح النفط أكثر تكلفة للمستثمرين الذين يتعاملون بعملات أخرى. ومع ذلك، لا يزال الطلب على النفط قويًا بما يكفي للحفاظ على توازن نسبي في الأسعار رغم هذا الارتفاع في الدولار.
وإلى جانب العوامل الأميركية، تلعب التوترات في الشرق الأوسط دورًا آخر في تأثير السوق. حيث أظهر تقرير وكالة الطاقة الدولية أن الإنتاج اليومي لمنظمة أوبك انخفض بمقدار 70 ألف برميل يوميًا نتيجة لتعطل الإنتاج في ليبيا. فالانقطاعات المستمرة في الإنتاج الليبي تمثل مصدرًا إضافيًا للقلق في السوق، حيث أن استقرار إمدادات النفط العالمية يعتمد بشكل كبير على استقرار الإنتاج في دول أوبك. ومع تزايد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، يبدو أن التوقعات بالنسبة لإنتاج النفط الليبي قد تظل ضبابية لفترة من الزمن، مما يسهم في دعم أسعار النفط.
فعلى الرغم من الارتفاع في أسعار النفط، أرى إن البيانات المتعلقة بالإمدادات والمخزونات الأميركية تُظهر بعض التحديات. فوفقًا لتقرير إدارة معلومات الطاقة الأميركية، ارتفعت مخزونات النفط بمقدار 0.833 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 6 سبتمبر، وهي زيادة أقل من المتوقع. من الواضح أن الزيادة في المخزونات، إلى جانب تراجع الطلب على البنزين والوقود المقطر، مما يشير إلى وجود حالة من التباطؤ في استهلاك الطاقة داخل الولايات المتحدة، وهو ما قد يكون مؤشرًا على تراجع الطلب العالمي.
وفي ضوء كل هذه العوامل، يمكن القول إن أسعار النفط ستبقى تواجه تذبذبًا واضحًا في الفترة المقبلة. استمرار قوة الدولار الأميركي، والاضطرابات الناجمة عن العوامل الطبيعية مثل العواصف المدارية، إلى جانب التوترات الجيوسياسية وتعطل الإنتاج في دول رئيسية، كلها عوامل تجعل سوق النفط غير مستقر. ومع ذلك، من غير المرجح أن نرى انهيارًا حادًا في الأسعار، خاصة إذا استمرت أوبك في ضبط الإنتاج بما يتماشى مع الطلب العالمي. ويبقى السؤال الكبير حول كيفية استجابة السوق للأحداث الجيوسياسية والاقتصادية المقبلة، وما إذا كانت الاقتصادات الكبرى ستشهد تباطؤًا حادًا يؤثر في الطلب العالمي على النفط.
التحليل الفني لـ أسعار النفط الخام (WTI):
أسعار النفط الخام مقبلة على تقلبات عديدة، ولا أحد يستطيع أن ينكر دور أوبك في ذلك. وفنياً لا تزال فرص المزيد من الهبوط تبدو أعلى من إمكانية التعافي. وإذا عدلت أوبك سياستها وأطالت تخفيضات الإنتاج، أو وسعتها، فقد تفسر الأسواق ذلك على أنه علامة ضعف وترى أن الوضع أكثر خطورة مما كان متوقعا. وفي حالة عدم اتخاذها أي إجراء، فمن المرجح أن تبقى الأسواق تركز على العرض الزائد.
ولا يزال الطريق أمام النفط للتعافي طويلاً من الناحية الفنية قبل العودة إلى ما فوق 75 دولار. وأول مقاومة لقمة يومية هي 67.11 دولار، والذي يحتاج السعر إلى إغلاق يومي فوقه على الأقل لبدء محاولة التعافي. وبمجرد استعادة هذا المستوى، يعود 70 دولار إلى المستويات المستهدفة مع 71.46 دولار كمستوى أولي يجب اختباره واختراقه بثبات. وفي النهاية، لا تزال العودة إلى 75.27 دولاراً ممكنة، ولكن من المرجح أن يحدث ذلك بسبب التحول الزلزالي في الظروف والضغوطات الحالية.
الرسم البياني لأسعار النفط الخام (WTI) – MT4– XS.com
وفنياً يعتبر المستوى التالي في الهبوط هو 64.38 دولار، وهو أدنى مستوى في شهري مارس ومايو 2023. وإذا واجه هذا المستوى اختبارًا ثانيًا وكسر، يصبح 61.65 دولار هدفًا، وبالطبع 60.00 دولار كرقم نفسي كبير أسفله مباشرة، على الأقل معرٍض للاختبار.
ووفقًا للمذبذبات الفنية، يفقد مؤشرMACD زخمه السلبي ويتحرك صعوديًا بشكل طفيف، بينما يتجه مؤشرستوكاستيك للأعلى بعد التقاطع الصعودي داخل خطي%K و%D في منطقة ذروة البيع. ويشير كلاهما إلى أن الاهتمام الشديد بالبيع قد ينتهي.
وإذا استمر السوق في الارتفاع، فقد يجد السعر مقاومة عند المستوى النفسي 70.00 قبل مستويات 71.30 و72.70. وقد يجد الارتفاع فوق خط الاتجاه الصاعد ومتوسط الحركة البسيط لـ 20 يومًا(SMA) مقاومة عند خط الاتجاه الهابط قصير الأجل عند 76.60، والذي يتداخل مع متوسط الحركة البسيط لـ 50 يومًا.
وفي السيناريو السلبي، قد يؤدي الانخفاض إلى ما دون أدنى مستوى في عدة أشهر إلى تعزيز عمليات البيع حتى مستوى الدعم التالي والذي يتم أخذه من القاع في أبريل 2023 عند 63.60 دولار . باختصار، وشهدت أسعار النفط حركة هبوطية كبيرة منذ 3 يوليو، وفقط القفزة فوق مستوى المقاومة 84.70 قد تغير التوقعات إلى صعودية للمدى البعيد.
مستويات الدعم: 67.86 – 68.90 – 70.26
مستويات المقاومة: 66.10 – 65.40 – 64.40