هل يضمن انخفاض الطلب على النفط العالمي استمرار عرضه؟
بدأت بعض الضغوط على أسواق النفط العالمية في الظهور مطلع العام، إذ عاشت الولايات المتحدة وأوروبا شتاءً دافئا على غير المعتاد، مما أدى لانخفاض الطلب على الطاقة بشكل عام. وأعطى المستثمرون في الولايات المتحدة الأولوية لضبط رأس المال على حسب زيادة الإنتاج، وبدأوا في رفع أسعار الفائدة لمنتجي النفط منخفض الجودة. ورغم هذه المؤشرات، لكن لم تكن هناك أدلة تذكر على الصدمة الوشيكة للطلب التي أثرت سلبيا على الآخرين.
حدثت أولى حالات الإصابة بالفيروس التاجي (كوفيد-19) في أوائل شهر ديسمبر الماضي، لكنها لم تكن على نطاق يسمح بملاحظتها حتى ستة أسابيع لاحقة، أي في منتصف شهر يناير. وبحلول أوائل شهر مارس، اتضح بما لا يدع مجالا للشك أننا أمام جائحة عالمية، تتطلب العزلة الاجتماعية كاستراتيجية تخفيف لأثر الفيروس وانتشاره. والآن؛ تعيش 118 دولة، تمثل 92٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مختلف أشكال التباعد الاجتماعي.
وخلال هذه الأزمة المالية العالمية الطاحنة، انخفض الطلب على النفط من 88 مليون برميل يوميًا إلى 83 مليون برميل يوميًا، أي بانخفاض قدره 5 ملايين برميل أو 5.6٪. ليعد ذلك أسوأ تراجع اقتصادي يشهده العالم منذ الكساد الكبير.
وقد ينخفض الطلب على النفط، في الربع الثاني من عام 2020، بمقدار 16 مليون برميل يوميًا أو ما نسبته 16٪.، وهو ما سيكون انخفاضًا حادًا بثلاثة أضعاف تقريبًا للأزمة المالية العالمية التي وقعت في عام 2008، وذلك حسب أكثر التقديرات تفاؤلا. حيث انخفضت حركة الطائرات في الولايات المتحدة بنسبة 90٪، وانخفضت حركة السيارات بنسبة تزيد عن 60٪، وشهدت أوروبا انخفاضات مماثلة.
على مستوى التحليل الجزئي، عندما يتوقف الناس عن القيادة إلى العمل والمدرسة والأنشطة الأخرى، لا يحتاجون إلى شراء البنزين لسياراتهم، وبالتالي لا تستطيع محطة البنزين بيع مخزونها، لذا تتوقف عن شراء البنزين من المصفاة. وتتوقف المصفاة عن شراء النفط الخام من المنتجين، وذلك بغض النظر عن السعر، ولاحقا يقوم منتجو النفط الخام بوقف خططهم المستقبلية، حيث يقومون بملء صهاريج التخزين بالإنتاج الزائد وإغلاق الإنتاج الحالي في النهاية.
وتشير سرعة عمليات الإغلاق تلك لعدم وجود مخزون كافٍ في محطات البنزين يسمح بخفض أسعار البنزين والخام سريعا. وانخفضت هوامش مبيع المصفاة من 17 دولارًا للبرميل إلى الصفر خلال الأسابيع القليلة الماضية. وشهدت بعض درجات الخام تسعيرًا أحاديًا، وحتى تسعيرًا سلبيًا، بسبب ارتفاع تكاليف عمليات التخزين والنقل.
من سيقوم بتخفيض الإنتاج لموازنة هذه الصدمة؟
سوف يلجأ المنتجون من ذوي التكلفة النقدية العالية للإنتاج للتخفيض، وذي بتبني افتراض أن أي تخفيض منسق ومرتب سيحدث تعويضا قليلا للانخفاض الحاد في الطلب. ومن المنطقي توقع حدوث انخفاض عالمي في العرض قدره 10 ملايين برميل يوميًا، مع اقتراب الأسعار من 20 دولارًا. وستؤثر هذه التخفيضات بشدة على المنتجين الكنديين يليهم المنتجون الأمريكيون الجنوبيون، ثم المنتجون الأمريكيون عموما والمنتجون الآسيويون ثم منتجين محددين في الأوبك وفنزويلا ونيجيريا.
ما المسار الذي سيتخذه سعر النفط للأشهر الـ 12 المقبلة؟
سيتم تحديد السعر حسب معدل انخفاض الطلب ومدة الإغلاق. ولا يثير هذا المعدل الجدل نسبيًا لأن: انخفاض الطلب بنسبة 30 ٪ للشهر الأول من إغلاق بسبب الفيروس في بلد ما، يليه انخفاض في الطلب إلى 15 ٪ فقط في الشهر الثاني وانخفاض بنسبة 5 ٪ للشهر الثالث. وتكتنف مدة التخفيض الغموض، كما أنها قد تمتد، خاصة وأن استخدام بعض الصناعات للطاقة في الصين لا يزال حتى ابريل أقل بنسبة 15٪ عن مستويات ما قبل الفيروس.
ويمكن أن يزداد التخزين بمقدار مليار برميل، وذلك خلال الربع الثاني من عام 2020، مما سيبقي سعر النفط عند 30 دولارًا لبقية العام. وستبقي العودة السريعة إلى مستويات الطلب السابقة في الربعين الثالث والرابع نصف المخزون الزائد في السوق حتى عام 2021. ويؤخذ في الاعتبار إمكانية تمديد فترة الإغلاق والتباعد الاجتماعي لتطول بذلك مشكلة المخزون لمدة أطول.
كيف ستتأثر شركات النفط؟
ستتوطد علاقة شركات النفط مع مستثمريها بشكل جيد، كما قد تتطور العلاقات إلى إبرام شراكات. وستشتري شركات النفط الكبرى حقول النفط الأصغر حجماً والأكثر قوة لإنقاذها من الإفلاس، ولكنها ستقوم بإنتاج متوازن أكثر مما كانت عليه في الماضي.
هل سيقوي انخفاض أسعار النفط العلاقات الجيوسياسية؟
نعم؛ حيث تعاني عدد من الدول بسبب انخفاض عائداتها النفطية بشكل دراماتيكي، قد تلجأ دول الجوار لتقديم مساعدات، فإيران ستصل معدلات انخفاض عائداتها إجمالا إلى 94%، ويزيد تأثير هذا الانخفاض عليها مع مشكلة تفشي جائحة الفيروس التاجي. وفي الحالة الليبية سينخفض إنتاج النفط الليبي من 1.1 مليون برميل يوميا إلى 100 ألف برميل يوميا، لذا قد يعاد النظر في العلاقات الجيوسياسية على خلفية من الوضع الاقتصادي والصحي العالمي.
ما الذي لانزال نحتاجه؟
لم يحاول أحد إنعاش الاقتصاد العالمي حتى الآن. ولا يجب أن نتوقع عودة الطلب على النفط إلى المستويات السابقة. لقد أعتاد الكثيرون حول العالم الآن على مزايا العمل من المنزل، والراحة من استنزاف الوقت في الذهاب للعمل وما يرتبط بهذا من نفقات، فضلاً على اعتياد زيادة الوقت الذي يقضونه مع الأسرة وانعكاس كل هذه التغيرات على نوعية حياة الأفراد.
كما اعتاد أرباب العمل إدارة الموظفين والتعامل معهم عن بُعد وأصبحوا أكثر ارتياحًا لهذا، وعلى جانب العرض، سوف تختفي شركات الطاقة ذات الكلفة المالية العالية، والهوامش المنخفضة، والنفقات العامة العالية.
وعلى الجانب التنظيمي، يتصدر أمن الطاقة أولويات معظم الدول الكبرى. لذلك لن يفاجئنا أن نرى لوائح جديدة في الولايات المتحدة توفر الحماية لشركات الطاقة المحلية، وهي خطوة فعالة نحو إلغاء عولمة أسواق الطاقة.