استعراض اثار خمس اشهر من حرب التجويع الإسرائيلية في قطاع غزة
أصدر معهــد أبحــاث السياســات الاقتصاديــة الفلســطيني (مـاس) نشــرة الأمــن الغذائــي العدد 29 “خريف وشتاء 2023” والتي أطلق عليها بنشرة إنعدام الأمن الغذائي نتيجة الوضع الحالي. يأتي هذا العدد للنشرة الدورية بينما لا تزال حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر مستمرة منذ خمسة أشهر منتهكاً فيها مختلف القوانين والاتفاقيات الدولية الرامية لحفظ حقوق الشعوب في الحروب والنزاعات المسلحة، ومخلفة ما يزيد على 30 ألف شهيد و71 ألف جريح وقرابة 2 مليون نازح. هذا عدا عن استهداف المستشفيات والطواقم الطبية وسيارات الإسعاف ما أسفر عن نقص كبير في المرافق الصحية وحرم الغزيين من الحصول على العلاج اللازم.
بينت النشرة سياسة الاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة واستخدامه لسلاح التجويع، حيث منع الغذاء، الماء، والوقود من الدخول إلى قطاع غزة. حسب ما أشارت مؤسسة أوكسفام فإن 2% فقط من احتياجات سكان غزة من الغذاء تدخل إلى القطاع بعد الإغلاق الكلي الذي فرض عليه منذ تشرين الأول 2023. كما تبين النشرة أن 90 بالمائة من سكان غزة في المناطق الشمالية يقضون يوم كامل وليلة كاملة دون تناول الطعام. ومن بين هؤلاء، ظل ما يصل إلى 20 بالمائة دون طعام لمدة 10 أيام من أصل 30 يوماً.
في تعقيبه على هذا العدد الخاص للنشرة، يقول مدير عام ماس رجا الخالدي، ان ” العدوان الإسرائيلي تميز ليس بحجم استخدام القوة العسكرية المفرطة ضد المدنيين العزل فحسب، بل وظفت إسرائيل وسائل حربية جماعية وحشية سعت من خلالها جعل غزة غير آهلة، مثل إبادة المسكن والتجويع، وبالتالي خلق ظروف تحبذ انتشار الأمراض والأوبئة… فقد استخدم الاحتلال الإسرائيلي التجويع كسلاح تاركاً جميع سكان قطاع غزة في أوضاع أقرب إلى المجاعة. رافق ذلك كله استهداف ممنهج للأراضي الزراعية ومراكب الصيادين ضمن خطة واضحة وممنهجة لضرب البنية الانتاجية الزراعية في القطاع.”
“يحظر القانون الإنساني الدولي بشكل صارم استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب، وباعتبارها القوة المحتلة في غزة، فإن إسرائيل ملزمة بالتزامات القانون الإنساني الدولي بتوفير احتياجات سكان غزة وحمايتهم”
تشير النشرة أن معدل استهلاك الفرد أنخفض من المياه إلى 1-3 لتر في اليوم خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وذلك ضمن تبعات سياسة التجويع التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي كسلاح ضد أهالي قطاع غزة. أضف إلى ذلك تم تصنيف جميع سكان قطاع غزة (حوالي 2.2 مليون شخص) في المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي المتكامل (أزمة أو ما هو أسوأ) وهي أعلى نسبة من الأشخاص الذين يواجهون مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد على الإطلاق في أي منطقة أو بلد معين.
كم تبين النشرة ارتفاعاً غير مسبوق في مؤشر غلاء المعيشة، وبالتحديد في قطاع غزة، خلال الأشهر الثلاث الأولى للعدوان، إذ سجل مؤشر غلاء المعيشة في فلسطين ارتفاعاً بنسبة 10% منذ بدء العدوان على قطاع غزة بواقع 2.57% لشهر تشرين الأول، ومن ثم 3.50% لشهر تشرين الثاني، ولاحقاً 3.49% في شهر كانون الأول. يأتي ذلك نتيجة العدوان الحالي، حيث كان يدخل قطاع غزة قبل اندلاع العدوان الحالي (من خلال المعابر الإسرائيلية) شاحنة واحدة كل 14 دقيقة، ما يقارب 104 شاحنات يومياً.
أما معبر رفح التجاري بين القطاع ومصر، فقد شهد خلال السنة الأخيرة ما قبل الحرب تدفق مئات الشاحنات يومياً محملة بمختلف البضائع الاستهلاكية والمواد الأساسية، يقدر عددها من قبل بعض المصادر بـ 500. أما منذ التاسع من أكتوبر فلا يسمح الاحتلال الإسرائيلي بمرور سوى عدد قليل جداً من الشاحنات من خلال معبر رفح جنوبي قطاع غزة فقط وليس من خلال أي معبر آخر، بمعدل شاحنة كل 3 ساعات و12 دقيقة، وليست جميع الشاحنات محملة بالغذاء. بحسب وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق (COGAT)، فإنه حتى اليوم المائة والأربعون من الحرب، دخل من خلال مختلف المعابر ما مجموعه 13,834 شاحنة محملة بمختلف أشكال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية.
إن الحرب الحالية على قطاع غزة فاقمت من معاناة أهالي القطاع، حيث أدت إلى انهيار الأنشطة الزراعية والغذائية، وانقطاع إمدادات المياه والغذاء والوقود عن القطاع المحاصر. من المتوقع أن تتوقف الأنشطة المتعلقة بالثروة الحيوانية والصيد لفترة طويلة، إضافة إلى توقف أنشطة زراعة الفواكه والخضروات الطازجة ما سيقلل من فرص وصول سكان غزة إلى المصادر الحيوية للبروتين والأغذية المفيدة، فضلا عن مصادر فرص العمل وسبل العيش. وتقدر الخسائر اليومية المباشرة في الإنتاج الزراعي بحوالي 1.6 مليون دولار أمريكي نتيجة توقف عجلة الإنتاج، وتتضاعف قيمة الخسائر عند احتساب الدمار في قيمة الأصول والممتلكات الزراعية وتجريف المساحات الزراعية والذي سيضاعف قيمة الخسائر الكلية.
تُعرّف منظمة الأغذية والزراعة العالمية انعدام الأمن الغذائي على أنه الحالة التي
“إنعدام الأمن الغذائي: لا يتمتع (بها) جميع الناس، في ذات الوقت، بفرص مادية، اجتماعية، أو اقتصادية كافية للحصول على الغذاء الآمن والصحي بما يوافي متطلباتهم الغذائية وتفضيلاتهم الغذائية لحياة صحية”
منظمة الأغذية والزراعة العالمية
إن السياسات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي تسببت بمعاناة ثُلث الفلسطينيين من انعدام الأمن الغذائي (33.6%)، 90% منهم يعيشون في قطاع غزة، ليبلغ إجمالي الذين يُعانون من الفقر الغذائي في قطاع غزة 64% من السُكان، بينما يعيش حوالي 80% منهم تحت خط الفقر.