Middle East Business

المرأة والاقتصاد في الشرق الأوسط: تحديات قائمة وفرص واعدة

صورة المقال

المرأة والاقتصاد في الشرق الأوسط: تحديات قائمة وفرص واعدة

يشهد العالم والمنطقة العربية اهتماماً متزايداً بأهمية الدور الاقتصادي للمرأة، وإدراكاً بأن تمكينها اقتصادياً ليس مجرد قضية حقوقية، بل هو ضرورة تنموية لتحقيق الازدهار الشامل. ورغم التقدم المحرز في بعض المجالات، لا تزال المرأة في العديد من دول الشرق الأوسط تواجه تحديات هيكلية واجتماعية كبيرة تعيق مشاركتها الكاملة والفعالة في الحياة الاقتصادية. إن هذه الحواجز، المتجذرة في التاريخ والأعراف الاجتماعية والسياسات القائمة، لا تحد فقط من رفاهية المرأة الفردية، بل تكلف الاقتصادات الوطنية ثمناً باهظاً من حيث الإنتاجية والابتكار والنمو. يستعرض هذا المقال أبرز القضايا التي تواجه المرأة في المجال الاقتصادي بالمنطقة، بدءاً من المشاركة في سوق العمل ووصولاً إلى ريادة الأعمال، مع تسليط الضوء على العقبات والفرص المتاحة. لفهم التحديات الاقتصادية المعاصرة، لا بد من النظر إلى الجذور التاريخية والأعراف الاجتماعية التي شكلت أدوار الجنسين. فكما أشار تحليل مركز آتون للدراسات، فإن النظام الأبوي التقليدي حدّ تاريخياً من قدرة المرأة على أن تكون فاعلة ومستقلة في حياتها الاقتصادية، وحصرتها غالباً في الأدوار المنزلية أو قيدت حقوقها في الملكية والميراث في بعض السياقات. ورغم التغيرات الكبيرة، لا تزال هذه الرواسب الثقافية تؤثر على التوقعات المجتمعية المحيطة بتعليم المرأة وخياراتها المهنية وقدرتها على الموازنة بين العمل والحياة الأسرية. وغالباً ما تُغلّف هذه القيود التي فُرضت عليها، بمبررات "الحماية" أو "الحفاظ" على المرأة، بينما هي في الواقع تكرس التمييز وتسلبها حرياتها وحقوقها، مما يساهم في الفصل المهني بين الجنسين ويعزز الحواجز أمام دخولها أو تقدمها في العديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية. تتجلى هذه التحديات بوضوح في معدلات المشاركة في القوى العاملة. ففي العديد من دول المنطقة، توجد فجوة كبيرة بين مشاركة الرجال والنساء في سوق العمل. يقدم العراق مثالاً صارخاً على ذلك، فوفقاً لإحصائيات وزارة التخطيط لعام 2022 التي أوردتها قناة السومرية، بلغ معدل بطالة النساء 28.2%، وهو ضعف معدل بطالة الذكور، بينما لا تتجاوز نسبة مشاركة النساء في سوق العمل 15%، رغم أنهن يشكلن حوالي نصف السكان. هذا الواقع المؤلم يعكس محدودية الفرص المتاحة، وتأثير العوامل الاجتماعية والثقافية، وربما التمييز في بيئة العمل. في المقابل، تُظهر تجارب أخرى، مثل قطاع الطيران في دولة الإمارات العربية المتحدة حيث تشكل النساء 42% من القوى العاملة وفقاً لتقرير صحيفة الخليج، الإمكانيات الكبيرة التي يمكن تحقيقها عند توفر الفرص والدعم المؤسسي والسياسات الداعمة. ومع ذلك، تظل العوائق قائمة بشكل عام، وتشمل نقص فرص العمل اللائقة، والتمييز في التوظيف والترقية، والأعراف الاجتماعية المقيدة، ونقص البنية التحتية الداعمة مثل خدمات رعاية الأطفال الميسورة التكلفة، ووجود فجوات قانونية أو سياسية في بعض البلدان. لا تقتصر التحديات على مجرد الدخول إلى سوق العمل، بل تمتد لتشمل الأجور والتقدم الوظيفي. فظاهرة فجوة الأجور بين الجنسين، حيث تتقاضى النساء أجوراً أقل من الرجال مقابل العمل ذي القيمة المتساوية، لا تزال قائمة في العديد من القطاعات. كما تواجه النساء ما يُعرف بـ "السقف الزجاجي" الذي يحد من وصولهن إلى المناصب الإدارية العليا والتنفيذية ومجالس الإدارات. ويعود ذلك جزئياً إلى التحيزات المتجذرة تجاه الرجال، ونقص فرص الإرشاد والتوجيه، والاعتماد على مسارات ترقية تقليدية قد لا تراعي ظروف المرأة أو تقدر مهاراتها القيادية بشكل كافٍ. وهنا يبرز التناقض بين الطموح المعلن لتحقيق "التأثير لا مجرد التمثيل"، كما جاء في مؤتمر المرأة في الطيران بدبي، وبين الواقع الذي لا يزال يشهد تمثيلاً محدوداً للنساء في مواقع صنع القرار الاقتصادي. تمثل ريادة الأعمال مساراً بديلاً وواعداً للتمكين الاقتصادي، لكن النساء الرائدات يواجهن بدورهن عقبات كبيرة. فغالباً ما يكون وصولهن إلى التمويل ورأس المال محدوداً مقارنة بالرجال، كما قد يفتقرن إلى شبكات العلاقات المهنية الداعمة بنفس القدر. ورغم جميع الصعوبات، فإن الشركات التي تقودها النساء تحمل إمكانات هائلة للابتكار والمساهمة في التنويع الاقتصادي وخلق فرص العمل، مما يجعل دعمها ضرورياً. في الختام، يتضح أن قضايا المرأة في الاقتصاد بالشرق الأوسط متشعبة ومعقدة، وتشمل تحديات في المشاركة في القوى العاملة، والمساواة في الأجور، والوصول إلى المناصب القيادية، وتسهيل ريادة الأعمال. إن استمرار هذه الفجوات لا يؤثر على النساء فحسب، بل يقوض أيضاً التنمية الاقتصادية المستدامة للمجتمعات ككل. إن تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة يتطلب جهوداً شاملة ومتكاملة تتجاوز الحلول الجزئية. يستلزم الأمر إصلاحات سياسية وقانونية تضمن المساواة في الفرص والحقوق، واستثمارات كبيرة في تعليم الفتيات وتدريبهن على المهارات المطلوبة في سوق العمل الحديث، ومبادرات جادة لتعزيز وصول المرأة إلى المناصب القيادية، وتحدي الأعراف الاجتماعية والثقافية المقيدة، وبناء بنية تحتية داعمة تشمل خدمات رعاية الأطفال، وتسهيل وصولهن إلى التمويل والأسواق. وكذلك إعادة التوازن وتحقيق العدالة، وإدراك أن الحياة المزدهرة والمجتمعات القوية لا يمكن أن تتحقق إلا بمشاركة كاملة ومتساوية للمرأة في جميع مناحي الحياة، بما في ذلك الاقتصاد. المصادر:

التعليقات

أضف تعليقًا