الدكتور سمير عبد الله: مسيرة عطاء وتفانٍ في خدمة الاقتصاد الفلسطيني
رحل عن عالمنا المفكر الاقتصادي الفلسطيني البارز، الدكتور سمير عبد الله دار علي، المدير العام الأسبق لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) ووزير التخطيط والعمل الأسبق، تاركًا وراءه إرثًا من العطاء الفكري والإنساني في خدمة قضايا وطنه وشعبه. برحيله، خسر المجتمع الأكاديمي والاقتصادي الفلسطيني واحدًا من أبرز قادته ورموزه التي شكلت بصمة كبيرة في مسار الفكر الاقتصادي الفلسطيني الحديث.
المسيرة المهنية
تخرج الدكتور سمير عبد الله من جامعة بيرزيت، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد، ليواصل دراسته العليا في الولايات المتحدة، حيث نال شهادة الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد. لم تكن الدراسة الأكاديمية وحدها ما شغف به الدكتور سمير، بل كان منطلقًا لفهم التحديات الاقتصادية التي يواجهها الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال، والعمل على تقديم حلول علمية عملية للمساهمة في بناء اقتصاد مستقل ومستدام.
في بداية حياته المهنية، أسس الدكتور سمير عبد الله نفسه كمفكر اقتصادي بارز، وكان له دور فاعل في العديد من المبادرات البحثية المتعلقة بالقضايا الاقتصادية الفلسطينية، ليصبح بعد ذلك المدير العام لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) في رام الله. في هذا الدور، استطاع أن يحقق للمعهد نجاحًا باهرًا، حيث عمل على تطوير وتحليل السياسات الاقتصادية التي تسهم في تعزيز الاقتصاد الفلسطيني على مستوى المؤسسات العامة والخاصة.
مساهمات في الفكر الاقتصادي والسياسات العامة
كان الدكتور سمير عبد الله مثالاً للباحث الملتزم الذي يتعامل مع قضايا وطنه بحسٍ عميق من المسؤولية. على مدار سنوات عمله، كان يساهم في تطوير آراء ورؤى جديدة تتعلق بسياسات التنمية الاقتصادية، والاستقلالية المالية، والتنمية المستدامة. وقد شارك في إعداد العديد من الدراسات والتقارير التي تناولت أبرز القضايا الاقتصادية الفلسطينية مثل الفقر، البطالة، والتوزيع العادل للثروات.
لكن مساهماته لم تتوقف عند هذا الحد. فخلال عمله كوزير للتخطيط والعمل، كانت له بصماته في تطوير الخطط الاستراتيجية لتطوير الاقتصاد الفلسطيني وتعزيز فرص العمل. كما كان أحد الداعمين الرئيسيين لإنشاء وتطوير المؤسسات الوطنية التي تساهم في تطوير الاقتصاد المحلي في مختلف المجالات، من القطاع الزراعي إلى الصناعي والخدمات.
بالإضافة ايضا عن تأثيره معهد ماس والمجتمع الفلسطيني فقد أسهم الدكتور سمير عبد الله في تأسيس وصياغة ملامح معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، الذي يُعد أحد الأذرع الأكاديمية الهامة في فلسطين التي تعمل على تطوير السياسات الاقتصادية المستدامة في ظل التحديات الكبرى التي تواجه الاقتصاد الفلسطيني. وقد تم استضافته على مدى العقد الاخير كمتحدث في عدد من الندوات الاقتصادية والتي تعقدها مجلة الشرق الاوسط للاعمال ميدل ايست بزنس.
التزام وطني ومهنية عالية
لقد كان الدكتور سمير عبد الله معروفًا بقدرته على الجمع بين المهنية العالية والالتزام الوطني. رغم التحديات الكبيرة التي كان يواجهها المجتمع الفلسطيني، من الاحتلال الإسرائيلي إلى الضغوط الاقتصادية العالمية، كان دائمًا يسعى لتقديم الحلول العملية التي تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للفلسطينيين. كان إنسانيًا في تعامله مع جميع من حوله، وكانت رؤيته الاقتصادية مشبعة بالروح الوطنية التي تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة للشعب الفلسطيني.
لا يمكن الحديث عن الدكتور سمير عبد الله دون الإشارة إلى شخصيته الإنسانية التي تميزت بالإخلاص، والصدق. كان الصديق والزميل الذي يثق به الجميع، وعُرف بتواضعه واهتمامه الصادق بمشاكل الناس. في كل محطة من محطات حياته المهنية، كان مثالاً يحتذى به في الالتزام بالمبادئ الوطنية والأخلاقية.
كما أن فقدان الدكتور سمير عبد الله يمثل خسارة فادحة ليس فقط لمعهد "ماس"، بل للمجتمع الفلسطيني بأسره، بما يعكسه من دور محوري في الفكر والسياسة الاقتصادية. حيث من خلال مسيرته الحافلة بالإنجازات والإسهامات العميقة، ترك الدكتور سمير عبد الله إرثًا لا يُنسى، ستظل آثاره واضحة في كثير من المؤسسات الأكاديمية والاقتصادية الفلسطينية.
رحم الله الدكتور سمير عبد الله، الذي سيظل ذكره خالداً في ذاكرة الشعب الفلسطيني وفي تاريخ الفكر الاقتصادي العربي.
المصادر:
معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)
مقالات وتقارير من "معهد ماس" حول الاقتصاد الفلسطيني والسياسات العامة.