Middle East Business

جيل زد وصناعة الإعلان: فجوة المواهب التي لا يمكن تجاهلها

صورة المقال

جيل زد وصناعة الإعلان: فجوة المواهب التي لا يمكن تجاهلها

تقف صناعة الإعلان العالمية على أعتاب تحول جذري، لا يقتصر على التكنولوجيا أو سلوك المستهلك فحسب، بل يمتد إلى أزمة مواهب حقيقية تتعلق بجيل زد (Gen Z). هذا الجيل، الذي وُلد ونشأ في قلب العالم الرقمي، يمثل القوة العاملة الأكثر أهمية للمستقبل. فبحسب أحدث التوقعات، سيشكلون 27% من القوى العاملة عالميًا بحلول عام 2025 (Zurich Insurance, 2024)، مما يجعل فهمهم ضرورة استراتيجية. ورغم أن مهاراتهم الفطرية تجعلهم الأصل الأكثر قيمة لوكالات الإعلان، إلا أن هناك عزوفًا مقلقًا من جانبهم عن الانضمام إلى هذا القطاع. هذا التقرير يحلل أبعاد هذه الفجوة، مستندًا إلى أحدث البيانات، ويقدم رؤى حول كيفية بناء جسور بين تطلعات هذا الجيل واحتياجات الصناعة.
جيل زد: قوة رقمية تعيد تعريف قواعد العمل
لفهم حجم الفرصة والتحدي، يجب أولاً إدراك الدور المحوري الذي يلعبه جيل زد. إنهم ليسوا مجرد مشاركين في الاقتصاد الرقمي، بل هم القوة المهيمنة التي تعيد تشكيل قواعده. فهم لا يكتفون بقضاء أكثر من أربع ساعات يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي (Morning Consult, 2025)، بل يقودون أيضًا تبني التقنيات المتقدمة في بيئة العمل. وبشكل لافت، يستخدم 75% منهم بالفعل أدوات الذكاء الاصطناعي في وظائفهم (Microsoft & LinkedIn, 2024)، مما يثبت قدرتهم على الابتكار ودمج الأدوات الحديثة بشكل فطري. هذه المهارات تجعلهم مرشحين مثاليين لقيادة التطور في صناعة تعتمد بشكل متزايد على البيانات والتكنولوجيا.
لكن على الرغم من هذا التطابق الواضح في المهارات، تكشف البيانات عن مجموعة من التوجهات الحاسمة التي تفسر سبب ابتعاد هذه المواهب عن وكالات الإعلان. يأتي على رأس هذه التوجهات الاستعداد العالي لترك العمل، حيث أن ما يقرب من نصف هذا الجيل (47%) يخططون بشكل جدي لترك وظائفهم الحالية في غضون الأشهر الستة المقبلة (ManpowerGroup, 2024)، مما يشير إلى بحث دائم عن فرص أفضل.
إلى جانب ذلك، يبرز عامل القيم كقوة دافعة أساسية في قراراتهم المهنية. يتجلى ذلك في ظاهرة رفض الوظائف غير المتوافقة مع مبادئهم، حيث أن نسبة كبيرة تصل إلى 44% من أبناء هذا الجيل قد رفضوا بالفعل عروض عمل لأن قيم الشركة لم تكن تتماشى مع قيمهم الشخصية (Deloitte, 2024). وعلى صعيد التطور المهني، يتميز جيل زد بطموح كبير للنمو السريع؛ فهم لا يتوقعون البقاء في نفس المنصب لفترات طويلة، حيث يتوقع 70% منهم الحصول على ترقية خلال العام ونصف العام الأول من عملهم (JOB TODAY, 2024). وأخيرًا، ورغم أهمية القيم، لا يمكن إغفال أهمية الراتب، حيث أن 74% منهم على استعداد لترك وظائفهم بسبب أجر منخفض (CAKE.com, 2024)، مما يؤكد أن الحوافز المادية تظل محورية.
 ما الذي يبحث عنه جيل زد؟
إذًا، ما الذي يبحث عنه هذا الجيل بالضبط؟ الإجابة تكمن في مجموعة من العوامل التي تتجاوز بكثير مجرد وظيفة من التاسعة إلى الخامسة. إنهم يبحثون عن بيئة عمل شاملة تدعم الإنسان ككل، وليس فقط الموظف. يعتبر التوازن بين العمل والحياة عاملاً حاسمًا عند اختيار وظيفة بالنسبة لـ 77% منهم (McKinsey, 2025)، بينما قد يدفَع غياب سياسات العمل المرنة 72% منهم إلى ترك وظائفهم (LinkedIn, 2025).
لكن الأهم من ذلك هو البحث عن الغاية، حيث يرى 86% من جيل زد أن العمل الهادف ذي الأثر المجتمعي ضروري لرضاهم الوظيفي ورفاهيتهم (Deloitte, 2024). وتأتي الصحة النفسية على رأس الأولويات، فهي ليست من المحرمات، بل جزء لا يتجزأ من ثقافة العمل الصحية التي يتوقعها 92% منهم، حيث يريدون الشعور بالراحة في مناقشتها بصراحة في مكان العمل (Monster, 2024).
من أزمة إلى فرصة: خارطة طريق لوكالات الإعلان
إن تجاهل هذه الحقائق لم يعد خيارًا. على وكالات الإعلان أن تنظر إلى هذه الفجوة ليس كأزمة، بل كفرصة لإعادة ابتكار نفسها من الداخل. الحلول يجب أن تكون جذرية وصادقة:
  1. تبني المرونة الحقيقية: لا يتعلق الأمر بالسماح بالعمل من المنزل يومًا في الأسبوع، بل بتبني ثقافة قائمة على الثقة والنتائج، تمنح الموظفين حرية اختيار مكان وكيفية عملهم.
  2. دمج الغاية في صميم العمل: يجب أن تتجاوز المسؤولية الاجتماعية للشركات مجرد حملات موسمية. على الوكالات أن تختار عملاء ومشاريع تعكس قيمًا إيجابية، وأن تشرك موظفيها في تحديد هذا التوجه.
  3. الاستثمار في الإنسان أولاً: يجب بناء أنظمة دعم قوية للصحة النفسية، وتوفير مسارات نمو واضحة وسريعة، وخلق ثقافة تقدر التوازن بين العمل والحياة الشخصية وتحتفي به.
  4. إعادة تعريف الإبداع: منح المواهب الشابة مساحة للتجريب، وتقبل الفشل كجزء من عملية التعلم، وتمكينهم من استخدام أدوات مثل الذكاء الاصطناعي لدفع حدود الإبداع.
إن الفوز بمواهب جيل زد ليس سباقًا على الرواتب والمناصب، بل هو تنافس على القيم والثقافة والغاية. الوكالات التي ستزدهر في العقد القادم هي تلك التي تدرك أن أفضل طريقة للتواصل مع مستهلكي المستقبل هي أن تعكس قيمهم داخل جدرانها أولاً. لقد حان الوقت للتغيير، وجيل زد لن ينتظر طويلاً.

المصادر

  1. Deloitte - 2024 Gen Z and Millennial Survey
  2. Microsoft and LinkedIn - 2024 Work Trend Index Annual Report
  3. McKinsey & Company - What Gen Z wants from employers (2025 Projections)

التعليقات

أضف تعليقًا