الريادة

أسبوع الريادة العالمي ..فرصة لرؤية الواقع واستكشاف آفاق المستقبل

صلاح العملة

يشكل أسبوع الريادة العالمي حدثا استثنائيا بالنسبة لكثير من دول المعمورة، بما فيها فلسطين، التي تبدو فيها صورة المشهد الاقتصادي أكثر قتامة من أي وقت مضى، رغم بعض التحسن الذي طرأ قياسا على العامين الأولين من جائحة “كورونا”.

وعندما انطلق الأسبوع قبل 15 عاما، لم يكن القائمون عليه الأغلب ليتوقعوا هذا النجاح الهائل الذي يحصده عاما تلو آخر، فأسبوع الريادة ليس حدثا “بروتوكوليا”، بل هو فرصة للتعرف على واقع قطاع الريادة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وأداة حيوية للتشبيك بين المعنيين بقطاع الريادة من شتى أنحاء العالم.

ومما يزيد من وجاهة الأسبوع، كونه يتناول ملفا مهما ليس للمجتمعات النامية فحسب، بل والأكثر تقدما، لأن الريادة تعني بمفهومها الواسع إطلاق طاقات المجتمع، وتحديدا فئة الشباب لإيجاد حلول لمشكلات مجتمعية آنية الطابع بشكل عام.

وإذا ما علمنا أن هناك نحو 180 دولة تشارك في فعاليات أسبوع الريادة لهذا العام، فإن هذا يعني مزيدا من تسليط الأضواء على تحديات جسيمة تواجه المجتمعات، ارتباطا بثيمة الأسبوع التي تركز على ثلاث قضايا رئيسة هي: التعليم، والسياسات وتحديدا العامة منها المرتبطة بقطاع الريادة، إضافة إلى التنوع البيئي دون أن يغيب محور التكنولوجيا عن كافة الحيثيات المتصلة بثيمة الأسبوع.

عموما، فإن الأسبوع بات عنوانا لإثارة مسائل بالغة الأهمية ترتبط بالريادة والقضايا والإشكاليات المتشعبة التي تفرض نفسها على العالم المعاصر، ما يجعل من قطاع الريادة ركيزة أساسية لدفع عجلة النشاط الاقتصادي، وإحداث التغيير المنشود في مسار التنمية.

وفي الحالة الفلسطينية، فإن مفهوم الريادة يكتسب لربما أهمية أكبر من أي مجتمع آخر، فوجود الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته المختلفة، والقيود التي يضعها على الاقتصاد الفلسطيني، تجعل من الريادة أحد القطاعات الرئيسة لتذليل جانب أساسي من هذه العقبات.

ومما لا شك فيه فإن الريادة بقدرتها على تجاوز الحدود، وإبراز الطاقات الكامنة لدى الشباب، تتيح في الحالة الفلسطينية فرصا كبيرة للإبداع والتميز، والحد من مشكلات مثل البطالة التي تصل إلى نحو 26% حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بينما يشير أحدث تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) إلى أن نسبة الفقر تزيد عن 50% وتحديدا في قطاع غزة.

وبالأخذ بالاعتبار أن نسبة النمو الاقتصادي في العام الماضي بلغت نحو 7.1%، بعد انكماش بلغت نسبته 11.3% في العام 2020 في أعقاب صدمة الجائحة، وتداعياتها الكارثية على شتى القطاعات، فإن الاعتماد على الريادة يمكنه المساهمة بشهادة كافة الخبراء والمختصين في تحسين شتى القطاعات المرتبطة بالشق الاقتصادي، وإعطائها دفعة هائلة.

بيد أنه لبلوغ الأهداف المنشودة على الصعيدين الاقتصادي والمجتمعي، فإن الشيء المؤكد بالنسبة للريادة، أنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر تكريس شراكة متكاملة بين القطاع العام والخاص والأهلي، فالشراكة هي حجر الزاوية للنهوض بواقع قطاع الريادة، وقد أثبتت الكثير من التجارب الدولية حيوية مساهمة شتى الأطراف في تنمية منظومة الريادة، وترسيخ دعائمها.

وهنا لا يعني الأمر مجرد نواح شكلية، بل اجراءات مطلوبة على الأرض، من ضمنها إيجاد بيئة وثقافة معززة للريادة في أوساط الشباب، وهذا بالذات لا يمكن بلوغه دون سياسات وتدابير تتخذها المؤسسة الرسمية، التي عليها واجب تهيئة أرضية ملائمة للنهوض بالريادة.

كما لا ينفصل ذلك عن الحاجة لقوانين محفزة للشباب بما في ذلك اعفاءات ضريبية للمشاريع والشركات الناشئة التي يقوم عليها شبان، لأنه دون ذلك لا يمكن الطلب من شاب في مقتبل العمر أن يؤسس مشروعه الخاص مع تحميله أعباء مالية كبيرة حتى قبل أن يبدأ مشروعه بالربح.

وارتباطا بذلك، تبرز ضرورة توفير قنوات تمويلية وفرص استثمارية أمام الشباب الريادي، وهنا يتجلى دور القطاع الخاص والمسؤولية الكبيرة الملقاة على كاهله في توفير مثل هذه القنوات.

ويتصل بذلك حيوية العمل على إيجاد حاضنات ومسرعات أعمال، توفر للرياديين فرص التدريب والتشبيك، وتطوير أعمالهم والانفتاح على العالم الخارجي، وهذا أيضا يمكن أن يساهم فيه القطاع الخاص بشكل حاسم.

لكن حتى يتم بلوغ مرحلة إطلاق طاقات الشباب وأفكارهم الإبداعية، فإن ذلك لا يمكن أن يتم دون تعليم نوعي يزرع بذور الريادة ويكرسها كثقافة على أوسع نطاق، من هنا يظهر بجلاء الدور بالغ الأهمية الذي يقع على عاتق الجامعات والمؤسسات الأكاديمية المختلفة.

فالهيئات الأكاديمية على اختلاف أنواعها، مطالبة بالذات بتشجيع الشباب على التحليل والتفكير الناقد، والخروج بحلول لمشكلات ومعضلات، قد لا تكون جميعها محلية الطابع بالضرورة، بمعنى أنها مطالبة بإيجاد خريجين مميزين قادرين على طرح حلول لإشكاليات حقيقية، وليس أفرادا يبحثون بالمجمل عن وظيفة ثابتة.

إن النجاح في تكريس قواعد راسخة للريادة في فلسطين، تمثل أحد التحديات الأساسية التي تحتاج جهودا مضنية ومكثفة من كافة القطاعات، في ظل التطورات التقنية المتسارعة من جهة، والتغيرات الحاصلة في الحالة الفلسطينية بكل ما فيها من تعقيدات ومنغصات وعقبات، والاحتياجات المجتمعية المتزايدة من جهة ثانية.

إن “توطين” الريادة سينعكس إيجابا على الشباب، ويسهم بالتأكيد في الحد من البطالة والفقر خاصة في صفوف الشباب، لا سيما أن عدد خريجي الجامعات يقدر سنويا بنحو 40 ألف خريج، بينما بالكاد تستطيع السوق المحلية استيعاب بضعة آلاف منهم بشهادة مختلف المؤسسات الرسمية، بما فيها أقطاب الحكومة الفلسطينية.

لقد آن الأوان لإحداث التغيير المطلوب في واقع الريادة وتنميتها، لأنه دون ذلك سيعاني المجتمع الفلسطيني كثيرا، وسيظل في موقع لا يتمناه غالبيتنا له، وهو ما آلينا عبر تنظيم فعاليات أسبوع الريادة العالمي، العمل باتجاه إنجازه، فكما يقال “أن تضيء شمعة، خير من أن تلعن الظلام”.

Click to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

To Top