البيئة في الشرق الاوسط

“الغسل الأخضر” ما هو وكيفية مواجهته

“الغسل الأخضر” ما هو وكيفية مواجهته

تلجأ العديد من الشركات لتضليل الرأي العام حولها بالإيحاء له أنها أكثر التزاما بحماية البيئة مما هي عليه بالفعل، عندها يطلق على مساعيها لتغيير الواقع “الغسل الأخضر- Greenwashing “، كما يستخدم هذا المفهوم عند محاولة كشف الالتزام الحقيقي لشركة ما تجاه البيئة؟

 برزت ظاهرة “الغسل الأخضر” عندما بدأت شركات في المبالغة في إظهار التزاماتها الخضراء أي تعهداتها وجهودها لحفظ البيئة، ومن أسف أن تشيع الظاهرة لدى عدد معتبر من الشركات اليوم بسبب الضغوط الكبرى والمتزايدة التي يمارسها الجمهور والمعنيون على الشركات بخصوص سجلاتها البيئية.

ويؤكد أندرو ماسون، رئيس قسم الإشراف على معايير الحوكمة في أبردين ستاندرد إنفستمنتس، أن هذا التوجه يكتسب أهمية لدى المستثمرين الذين يركزون على معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG)، فتحديد دقة وصحة معلومات الشركة المتعلقة بالاستدامة يمكن أن يمثل تحديًا خطيرًا لهم.

ووفقًا لمعهد الحوكمة والمساءلة- Governance and Accountability Institute بنيويورك، فإن ما يقدر بنحو 90٪ من الشركات الموجودة في مؤشر فورتشن 500 تقع مسؤولية تقديم تقارير الاستدامة على عاتقها، وثمة اهتمام مماثل لدى الشركات في أوروبا.

ومع ذلك؛ في خطاب ألقاه عام 2019، قال هانز هوغرفورست رئيس مؤسسة المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية، إن وجود وزيادة مثل هذه التقارير لا يعني حتما أن الشركات تسعى جاهدة لتكون أكثر مراعاة للبيئة. وأشار: “لا ينبغي أن نتوقع أن تكون تقارير الاستدامة فعالة للغاية في حث الشركات لإعطاء الأولوية للكوكب على تحقيقها للأرباح فالغسل الأخضر موجود ومنتشر”.

بروز معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات “ ESG

لعقد مضى؛ كان النذر اليسير من المستثمرين يولي اهتمامًا كبيرًا لتقارير الاستدامة، ثم بدأت معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تكتسب أرضا أوسع واهتماما أكبر تدريجيا حتى غدت هي الاتجاه السائد، وتزايد عدد المستثمرين الذين يأخذون الأبعاد البيئية بعين الاعتبار في قراراتهم الاستثمارية.

وأدى انتشار فيروس كورونا المستجد إلى تسريع هذا الاتجاه وتدعيمه، فما بين شهري أبريل ويونيو من عام 2020، اجتذب الاستثمار من نوع ESG تدفقات صافية قدرها 71.1 مليار دولار على مستوى العالم، وفقًا لـشركة مورنينغستار Morningstar الأمريكية للأبحاث المالية. كما دفع الوضع العام للجائحة قيمة الأصول الخاضعة لإدارة معايير الحكومة إلى أكثر من تريليون دولار، وفي المملكة المتحدة، تجاوزت التدفقات بين شهري أبريل ويوليو التدفقات المجمعة للسنوات الخمس الماضية، وفقًا لشبكة المعاملات الشهيرة “ Calastone“. كما صار المستثمرون يدركون أكثر أن وضع وتحقيق أهداف طموحة تركز على البيئة غالبًا ما يكون مؤشرًا على إدارة الأعمال التجارية بشكل جيد.

وعلى أرض الواقع؛ إذا تمكنت الشركة من تقليل استهلاكها للطاقة مع الحفاظ على الإنتاج أو حتى زيادته، فإن ذلك يفيد المساهمين بشكل مباشر، وبالتالي الحد من انبعاثات الكربون لا تقتصر أهميته فقط على إنقاذ الكوكب فله مردودات إيجابية أخرى، فهو يعني إدارة جيدة للموارد، وهذا بدوره يعني وجود رؤية حقيقية تمثل قيمة مضافة إلى جودة الاستثمار.

لكن بالنظر لجميع تقارير الاستدامة اليوم، لا يثق العديد من المستثمرين فيها كعاكس أمين لمستوى الاستدامة الحقيقي للشركة. وتتمثل إحدى المشكلات المرتبطة بذلك في أنه يتعين على الشركات تقديم تقارير إلى مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، يتضمنون الموظفين والمنظمات غير الحكومية والعملاء والمنظمين، والنتيجة الحتمية لعمل تقرير لكل هؤلاء أن يأتي التقرير متخم بمجموعة واسعة من المعلومات، الكثير منها ليس له صلة تذكر بالمستثمرين المهتمين بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية.

المشكلة الثانية ذات الصلة هي أن تقارير الاستدامة والإخبار عن التزام الشركات بها تطورت بشكل اجتزائي غير متكامل، بالتالي يمكن أن يأتي التقرير بخليط من المعلومات التي تسهل على الشركات المراوغة والتملص، وتترك المستثمرين في حيرة من أمرهم.

وكما ذكرت شركة McKinsey للاستشارات: “تتيح هذه الأطر والمعايير التي تكتب بها التقارير للشركات حرية كبيرة في اختيار معلومات الاستدامة الخاصة بهم، ويقول المستثمرون إنهم لا يستطيعون استخدام هذه المعلومات الخاصة باستدامة الشركات لاتخاذ قرارات الاستثمار والمشورة بدقة”.

كيف يمكن معالجة مشكلة “الغسل الأخضر”؟

بعد الاستعراض السابق يبدو من المنطقي التساؤل ما هي أكثر استراتيجيات مكافحة الغسل الأخضر فعالية؟ الإجابة المختصرة هي أن الأمر يتطلب الكثير من العمل الجاد والتحليل والتقييم المستمر والاستجواب.

ورغم أنه لا توجد معايير واحدة تطبق فتمحيص وتحليل البيانات الخاصة بالشركات يمكن أن يقدم الحقيقة. فمن الصعب اليوم على شركة أن تخرج بآراء نوعية عالية المستوى، لا تدعمها مقاييس كمية لإظهار بصمتها الكربونية. ومن هنا يمكن التحقق من دقة تقارير الشركة بتحليل المقاييس وانعكاسها في البيانات.

ومن المهم أيضًا النظر إلى المدى الذي تقوم فيه الشركة بإضفاء الطابع المؤسسي على الاستدامة؛ على سبيل المثال، هل ألفت الشركة مجلسا للإشراف على القضايا الخضراء؟ وهل تربط المكافآت التنفيذية بخفض انبعاثات الكربون؟

وبالنسبة للاستجواب الذي أشرنا له آنفا كسبيل لمكافحة الغسل الأخضر نهدف به للمساعدة في أن تبقى مستثمرًا في شركة وأن تمتلك القدرة على طرح أسئلة الإدارة لاكتشاف القصة وراء الأرقام، لاستكشاف ما إذا كانت الشركة تحقق دائمًا أهداف الاستدامة الخاصة بها أم لا. ولهذا نعتقد أن القيام بزيارات للشركة من أهم عوامل لمكافحة الغسل الأخضر، وكما أن بيانات الاستدامة أداة مفيدة لاستجواب الشركة ومعرفة سجلها، لكن تظل الصورة الكاملة أكثر دقة بالتعامل مع الموظفين الرئيسيين، عندها يمكنك أن تفهم حقًا أداء شركة ما في مجال البيئة والصحة والسلامة.

Click to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

To Top