المرأة

رعاية الأطفال يشجع المزيد من النساء على الانضمام إلى سوق العمل

رعاية الأطفال يشجع المزيد من النساء على الانضمام إلى سوق العمل

هناك مثل عربي قديم يقول “قلب الأم مدرسة الطفل ” وهو تعبير شائع يوضح التوقعات المجتمعية المتعلقة بالدور الذي تؤديه الأمهات في رعاية أطفالهن والتأثير على نواتج التنمية البشرية لهم.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما هو الحال في انحاء كثيرة من العالم، يُتوقع من النساء أن يكن هن القائمات بالدرجة الأولى على رعاية الأطفال في المنزل. ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى الأعراف والتقاليد الاجتماعية، لكن هناك أسباباً مهمة أخرى، مثل محدودية سبل الحصول على خدمات رعاية الأطفال الجيدة وبتكلفة ميسورة.

إن هذا النقص في خدمات رعاية الأطفال له تكلفة: تقدر منظمة العمل الدولية أنه على الصعيد العالمي، في عام 2018، تم إعاقة 647 مليون شخص بالغ في سن العمل من دخول القوى العاملة بسبب المسؤوليات الأسرية- 94% منهم من النساء. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يعتبر عدم توفر خدمات رعاية الأطفال أشد العوائق أمام النساء للانضمام إلى سوق العمل (استطلاع البارومتر العربي، 2021 – 2022).

والعلاقة بين الحصول على خدمات رعاية الأطفال ومشاركة المرأة في القوى العاملة لافتة للنظر. توضح دراسة لبرنامج تمكين المرأة في المشرق نُشرت عام 2023 بعنوان: من يهتم؟ أعمال الرعاية ونتائج سوق عمل المرأة في العراق والأردن ولبنان أن توسيع خيارات خدمات رعاية الأطفال الجيدة وذات الكلفة الميسورة يمكن أن يزيد من مشاركة المرأة في القوى العاملة بنسبة 2.5 نقطة مئوية في الأردن،

و2.1 في لبنان، و0.5 في العراق. ولو كانت خدمات رعاية الأطفال مجانية، لأمكن أن تصل التغييرات المتوقعة في مشاركة المرأة في القوى العاملة إلى 7.3 و 7.1 نقاط مئوية في الأردن ولبنان، على التوالي.

وتعد مشاركة المرأة في القوى العاملة في بلدان المشرق من بين أدنى المعدلات في العالم حيث إن أقل من 15% من النساء يعملن أو يبحثن بنشاط عن عمل في العراق والأردن و26% فقط في لبنان. وتؤثر مسؤوليات رعاية الأطفال تأثيراً مباشراً على فرص المرأة للعمل.

تقضي الأمهات في بلدان المشرق يوميا ضعف الوقت الذي يقضيه الآباء في رعاية الأطفال وأكثر من ثلاثة أضعاف الوقت الذي يقضيه الآباء في الأعمال المنزلية. وبالنسبة للأمهات العاملات، يتراوح طول “يوم العمل” المعتاد من 12 إلى 14 ساعة، مع الأخذ في الاعتبار العمل بأجر وبدون أجر. ومقابل كل ساعة إضافية تقضيها المرأة في رعاية الأطفال، ينخفض احتمال انضمامها إلى القوى العاملة بنسبة تصل إلى 3 نقاط مئوية.

مع ذلك، فإن مساهمة المرأة في رعاية الأطفال بدون أجر غير معترف بها على نحو كاف. واستنادا إلى هذه الدراسة، فإن الوقت الذي تقضيه الأمهات في بلدان منطقة المشرق في رعاية الأطفال دون أجر قد يصل إلى 6% من إجمالي الناتج المحلي للمنطقة (إذا تم تقييمه بالحد الأدنى للأجور). وعدم الاعتراف هذا يقلل من شأن مساهمة المرأة في الاقتصاد والحاجة المهمة إلى توفير خدمات رعاية الطفل كضرورة اقتصادية.

وتتسم خدمات رعاية الأطفال في بلدان المشرق بالتكلفة العالية وتدني الجودة وانخفاض الطلب. وتؤثر عوامل كثيرة على مستوى الطلب على هذه الخدمات، مثل القدرة على تحمل تكاليف دور رعاية الأطفال المتاحة وجودتها، والأعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة، مما يمكن أن يؤثر في نهاية المطاف على جانب العرض.

ومع محدودية توفر خدمات رعاية الطفل العامة المجانية والدعم المالي المقدم للأسر على هذا الصعيد، فإن معظم الناس لا يستطيعون تحمل تكاليف خدمات رعاية الطفل ذات الجودة. وليس من المستغرب أن يكون معدل اللجوء إلى هذه الخدمات منخفضاً، وتلجأ الأسر بدلاً من ذلك إلى الترتيبات غير الرسمية، مثل ترك الطفل لدى أحد أفراد الأسرة أو الأقارب، في كثير من الأحيان.

وفي الأردن، يستفيد 2.3% فقط من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 0 و5 سنوات من خدمات رعاية الأطفال الرسمية. وفي العراق، تبلغ هذه النسبة 0.7% للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 0 و4 سنوات، وفي لبنان 4.8% للأطفال بين سن 0 و3 سنوات. وفي هذه البلدان الثلاثة، يعتمد أكثر من نصف الأمهات على الأسرة والأصدقاء والجيران كمصدر رئيسي للمشاركة في رعاية الأطفال في سن الخامسة وما دون ذلك. وتشير الاتجاهات العالمية إلى إحصاءات مماثلة: أظهر مسح شمل 31 بلداً نامياً أن 4% فقط من النساء العاملات يستفدن من خدمات رعاية الأطفال الرسمية و 40% من الأطفال دون سن المدرسة الابتدائية في جميع أنحاء العالم يحتاجون إلى خدمات رعاية الأطفال ولكنهم لا يحصلون عليها (البنك الدولي 2021).

وفي المتوسط، فإن نحو واحدة من كل أربع أمهات لأطفال دون سن المدرسة الابتدائية ولا يستفدن حالياً من أي نوع من خدمات رعاية الأطفال (الرسمية أو غير الرسمية) لديها الرغبة في الاستفادة من الخدمات الرسمية في هذا الشأن. ويتسم الطلب بحساسية شديدة للتكلفة، ففي لبنان نجد التكلفة هي الاعتبار الرئيسي للاستفادة من هذه الخدمة نظرا للأزمات المتعددة القائمة.

الشكل 1: الرغبة في الاستفادة من خدمات رعاية الطفل الرسمية بين أمهات أطفال في الشريحة العمرية [0-5] سنوات لا يستخدمن هذه الخدمة حالياً

 

الشكل 1: الرغبة في الاستفادة من خدمات رعاية الطفل الرسمية بين أمهات أطفال في الشريحة العمرية [0-5] سنوات لا يستخدمن هذه الخدم

 

هناك حاجة لحلول تجمع بين زيادة الوعي وتبسيط الإصلاحات وخلق الحوافز. ويشير تقريرنا إلى 3 توصيات شاملة لتعزيز توفير رعاية الأطفال في بلدان المشرق:

الشكل 2: 3 توصيات شاملة على مستوى السياسات

 

الشكل 2: 3 توصيات شاملة على مستوى السياسات

 

  1. توزيع أعباء أعمال الرعاية بدون أجر على نحو أكثر إنصافاً. إن زيادة الوعي حول القيمة الاقتصادية لمساهمة المرأة في رفاهية الأسرة والمجتمع تشكل خطوة أولى. وبوسع بلدان المشرق أن تجمع بيانات منتظمة عن استخدام الوقت بوصفه جزءًا لا يتجزأ من أنظمة المسوحات الوطنية للأسر، وأن تجمع حسابات فرعية لأسر تقيس الدور الإنتاجي
    (وليس الدور التسويقي) الذي تلعبه الأسرة في اقتصاد السوق.
  2. زيادة دعم الدولة لتوفير خدمات رعاية الأطفال للأسر. ويستلزم هذا زيادة توفر خيارات رعاية الأطفال صغيرة النطاق بتكلفة معقولة لمساعدة الشرائح الأكثر احتياجاً. لقد اتخذ الأردن مؤخراً العديد من الخطوات لزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة، لا سيما تنظيم وتيسير إجراءات إصدار تراخيص دور الحضانة. وعلى العراق ولبنان المضي في تيسير تراخيص مراكز رعاية الأطفال الموجودة في المنازل والتي يمكن أن تساعد الآباء والأمهات الذين يواجهون ارتفاع التكلفة بسبب الأزمات المتعددة.
  3. تهيئة بيئة داعمة لتوفير خدمات رعاية جيدة وتتسم بالكفاءة للأطفال. ومن الممكن دراسة تحسين تصميم وتوسيع نطاق تمويل سياسات الرعاية القائمة من خلال فرض ضرائب عامة أو من خلال مساهمة الشركات (أرباب العمل) في اشتراكات الضمان الاجتماعي. ويتم ذلك حالياً في الأردن حيث تساهم الشركات بنسبة بسيطة من رواتب الرجال والنساء في صندوق مخصص للضمان الاجتماعي. ويمكن للبلدان أيضاً أن تدرس تقديم حوافز نقدية لتشجيع مساهمة الشركات،كتقديم مساهمات مماثلة أو تقديم إعفاءات ضريبية. ولكي يحدث ذلك، من الضروري تحسين التنسيق بين الوزارات التنفيذية ومختلف أصحاب المصلحة والأطراف المعنية في جميع المجالات مع زيادة التركيز على وضع المعايير المهنية وتوفير التطوير المهني على المدى الطويل في البلدان الثلاثة.
Click to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

To Top